top of page

نتائج البحث

تم العثور على 7 عناصر لـ ""

  • محاظرة في النحو الوظيفي من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة (في نظر براغ و مارتيني)

    محاظرة في النحو الوظيفي من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة (في نظر براغ و مارتيني). النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية. هذه المقالة مشتملة علي جزئين: الجزء الأول الثاني ترتيب: مقدمات حلقة براغ:Le cercle de brague مبادئ مدرسة براغ الصوتيات الوظيفية ترتيب من الجزء الثاني: اسهامات اندري مارتيني وظيفة اللغة عند مارتيني بعض مبادئ التحليل الوظيفي عند "مارتيني" أنواع المونيمات عند مارتيني أنواع المركبات عند مارتيني الجزء الأول من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية إن الحديث عن النحو الوظيفي و مفهومه و مبادئه و التعمق في جزئياته يفرض علينا استعراضا و لو سطحيا لمسار الوظيفة في الدرس اللساني الحديث. ذلك لأن النظريات اللسانية الحديثة لم تأت من عدم، و لم تظهر فجأة و إنما جاءت نتيجة تراكمات معرفية سابقة، فالمتتبع لمسار الدرس اللساني الحديث سيلاحظ أن كل نظرية جديدة تقوم على سابقتها بشكل من الأشكال، حيث لا نجد قطيعة قطعية بين النظريات اللسانية الحديثة التي كان منطلقها فرديناند دي سوسير. إن الاتجاه الوظيفي في الدرس اللساني يحوي كل النظريات التي تنظر إلى اللغة من جانبها الوظيفي التداولي، وهو اتجاه ينتمي إلى التيار البنوي الذي تأسس نتيجة النقد الذي قدمه "دي سوسور" للمنهج التاريخي وقد أطلق على رواد هذا الاتجاه اسم الوظيفيون"، بحكم أنهم ينطلقون في دراستهم للغة من مبدأ البحث عن الوظائف والأدوار التي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة البشرية. والتحليل الوظيفي للغة ليس حكرا على البنوية، فهو يخترق الحدود المنهجية لجميع الدراسات اللسانية الحديثة، فمفهوم الوظيفية مفهوم مائع ينطلق منه اللسانيون من مختلف مذاهب علم اللسان بما في ذلك البنوية و التوليدية التحويلية والتداولية لأغراض و توجيهات منهجية مختلفة. 1- حلقة براغ:Le cercle de brague تعد مدرسة براغ من أهم المدارس اللسانية التي نشأت في ظل المنهج البنوي، و يرجع ظهورها إلى مطلع القرن العشرين بالتحديد إلى سنة 1926 بتشيكوسلوفاكيا على يد مجموعة من اللسانيين أشهرهم: ماتيزيوس Mathesius، تروبتزكوي ،Trubetzkoy جاكوبسن Jackobson، كارسوفسكي Karcevskij، وترونكا Trenka، وهافرانك Havrank، وقد تأثرو جميعا بالمفاهيم اللسانية المتصلة بالفونيم والتي اعتبرت فيما بعد قاعدة أساسية قامت عليها المبادئ الفونولوجية لهذه المدرسة، ميز رواد هذه المدرسة بين الفونتيك و الفونولوجيا. مبادئ مدرسة براغ: كان منطلق هذه المدرسة من تحديد اللغة باعتبارها نظاما وظيفيا، و قد ركزت على دراسة الوظيفة الأساسية للغة و المتمثلة في التواصل (فكيف يتم؟ لمن يوجه، و في أي مناسبة) و من مبادئ هذه المدرسة نذكر: اللغة واقعة اجتماعية أي ظاهرة طبيعية ذات واقع مادي، فهي تتصل بعوامل خارجية منها ما يتصل بالسامع و منها ما يتصل بالموضوع الذي يدور حوله الكلام، و عليه من الضروري التمييز بين لغة الثقافة و لغة الأدب و لغة الشارع. ضرورة دراسة العلاقة بين البنية اللغوية و المظاهر العقلية و النفسية الإنسانية التي توصلها هذه البنية. الاقرار بالاختلاف الموجود بين اللغة المنطوقة و اللغة المكتوبةن فلكل واحدة منها خصائصها المميز، و عليه من الضروري دراسة العلاقة الرابطة بينهما دراسة علمية. استثمار مفاهيم سوسير في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي، نحو التقابل النظام العلاقات التركيبية و الاستبدالية، ثنائية اللغة و الكلام...الخ على البحث الفونولوجي أن يتجه أولا إلى دراسة التقابلات الفونيمية لأنها ذات دلالة ومعنى على المستوى المورفولوجي، وعليه لا يجب فصل الظاهرة المورفولوجية عن الظاهرة الفونولوجية، فعادة ما ترتبط التقابلات الفونيمية بالتغيرات الصرفية. الصوتيات الوظيفية: لقد تميزت مدرسة براغ بالدراسة الصوتية ، أطلقوا على منهجهم في دراسة الأصوات اسم " الصوتيات الوظيفية و يعني هذا الفرع من الدراسة اللسانية بدراسة " المعنى الوظيفي للنمط الصوتي، ضمن نظام اللغة الشامل و استخراج كل الفونيمات و ضبط خصائصها، وينبغي هنا أن لا يخلط الدارسون بين الصوتيات ( Phonetics) والصوتيات الوظيفية Phonology" . ركزت مدرسة براغ على دراسة الصوت دراسة وظيفية وهذا ما يميزها عن الدراسات الصوتية السابقة و فيما يلي الفرق بين الفونتيك والفونولوجيا: الفونيتيك تعرف الصوت تعريفا عامًا باعتباره أصغر وحدة غير دالة تحمل صيفات تمييزية فيزيائية أو فيزيولوجية و تنقسم إلى ثلاث فروع أساسية هي: الصوتيات النطقية (articulatory-phonetics) وتعني بوصف الجهاز الصوتي ومخارج الاصوات أي بالمتكلم و الصوتيات السمعية (auditory-phonetics) وتعني بعملية تلقي الأصوات وإدراكها أي بالمستمع والصوتيات الفزيائية (acoustic phonetics) تدرس الجانب الفيزيائي الصرف المتمثل في انتشار الموجات الصوتية من فم المتكلم إلى أذن المستمع عبر ذبذبات صوتية معينة" ، بينما الفونولوجيا تربط تعريف الصوت بالوظيفة و بالدور الذي يؤديه العنصر في مدرج الكلام، فالفونيمات لا تحلل في الدراسات اللسانية الوظيفية انطلاقا من خصائصها الفيزيائية أو الفيزيولوجية فقط، إذ لايجب التوقف عند وصف الأصوات بالقول مثلا عن الأصوات /خ/ر/ج/: الخاء مجهور- رخو يندفع الهواء عند النطق به مارًا بالحنجرة، ولا يحرك الوترين الصوتيين أما الراء: فمرقق و مفخم مجهور، و يتميز بتكرار طرق اللسان للحنك عند النطق بها، و الجيم مجهور قليل الشدة. يندرج هذا النوع من المعالجة ضمن التحليل الفيزيائي للاصوات و هو يندرج ضمن الفونيتيك (علم الأصوات العام) الذي يقابله الفونولوجيا أي الصوتيات الوظيفية التي تهتم بدراسة وظائف الأصوات فيتم ضمنها تحليل الأصوات و هي دخل البنية اللغوية التي تنتمي إليها و بفضل هذا العلم أصبح من السهل التعرف على الفونيمات المختلفة التي ظلت لفترة طويلة متماثلة و ذلك من خلال مبدأ الاستبدال Commutation نحو خرج لا تتضح وظيفة الخاء داخل هذا التركيب إلا باللجوء إلى الاستبدال أي استبدال الخاء بأصوات أخرى خَرَجَ _ عرج – فرج – درج إن استبدال صوت الخاء بأصوات أخرى يؤدي إلى اختلاف دلالة الكلمة بالتالي فإن العلاقة بين خ، ع، ف، د هي علاقة تضاد فونولوجي و في كلمة Bonjour (غ-r) و Bonjour (ر-r) تقول أن العلاقة بين (ر-r) هي علاقة توافق فونولوجي لان عملية التبديل هنا لا تغير معنى الكلمة. ان الصوتيات الوظيفية في مدرسة براغ لا تختصر على النقاط التي قدمناها في هذه الصفحات وللاستفادة أكثر والاطلاع على أعمال روادها راجع كتاب أحمد مومن "اللسانيات النشأة و التطور". الجزء الثاني: النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة اسهامات اندري مارتيني: بالاضافة إلى مدرسة براغ التي اهتمت بوظيفة الأصوات نذكر اسهامات أندري مارتيني André Martinet ممثل البنوية الوظيفية في فرنسا. وظيفة اللغة عند مارتيني: إن الوظيفة الاساسية للغة هي التواصل ولها وظائف ثانوية تؤديها كالوظفة الجمالية في النصوص الأدبية. ينطلق مارتيني من اعتقاد مفاده أن اللغات ليس مجرد نسخ للأشياء كما هي في الواقع و إنما هي بنى منظمه تحلل الواقع وعليه فإن تعلم لغة جديدة ليس مجرد وضع علامات جديدة لأشياء معلومة في اللغة الأم، بل هو اكتساب لنمط جديد من التحليل هذا النمط هو الذي يميز اللغة الأم عن اللغة الأجنبية. بعض مبادئ التحليل الوظيفي عند "مارتيني": 1- التقطيع المزدوجDouble articulation : و هو تقطيع يمكننا من تحليل اللغة إلى وحدات نهائية ويتم هذا التقطيع على مستويين: المستوى الأول: يتم فيه تجزئة اللغة إلى وحدات لغوية دالة تسمى هذه الوحدات بالمونيمات (الكلمات) كقولنا: أشكو ألما في الرأس. أشكو/ ألما/ في/ ال/ رأس (مونيمات) المستوى الثاني: يتم فيه تقطيع المونيمات إلى وحدات غير دالة هي الفونيمات: أ/ش/ك/و/أ/ل/م/ا/ف/ي/ا/ل/ر/أ/س/. 2-مبدأ الاقتصاد اللغوي: قصد به مارتيني قدرة الإنسان على التعبير عن تجارب وحاجات لا حصر لها بأقل جهد ذهني، و الذي يساعد عل تحقيق هذا المبدأ التقطيع المزدوج الذي يجعل الوظيفة التواصلية تتم بعدد محدود من الفونيمات، في العربية مثلا نعبر عن تجاربنا دائما بعدد ثابت من الأصوات هي الأبجدية العربية، لأنه لا يمكننا أن نعطي لكل وحدة دالة صغرى إنتاجا صوتيا خاصا بها فذلك يلزمنا التمييز بين الآلاف منها نطقيا و سمعيا وهو شيء يفوق القدرة الإنسانية. و يتحقق هذا المبدأ من خلال المقابلة أو التقليب بين الفونيمات. 1- أنواع المونيمات عند مارتيني: المونيمات حسب مارتيني تختلف بعضها عن بعض من ناحية وظائفها في السياق وقد قسمها إلى ثلاث أنواع: أ‌- المونيم الحر: هي مونيمات تحمل دلالتها في ذاتها فهي حرة لا تتقيد بموقع معين إذ بإمكانها أن تأتي في بداية الجملة أو في وسطها أو في نهايتها، ولا يغير موقعها في الجملة من المعنى العام المراد من تلك الجملة. ومن أمثلة ذلك ظروف الزمان ب-المونيم المقيد: هو مونيم لا يحمل دلالة و لا يِؤدي دورا في التركيب إلا إذا كان في موضع خاص وأي تغيير في موقعه يؤدي إلى إختلال المعنى العام و من أمثلة ذلك المضاف إليه في اللغة العربية. ج- المونيم المساعد: سمي مساعد لأنه لا يحمل دلالة في نفسه لكنه يلعب دورا مهما في أداء المونيمات الأخرى لوظائفها و نذكر منها في اللغة العربية: حروف الجر- حروف العطف- أدوات النصب و الجزم بالإضافة إلى تمييز أندري مارتيني بين أنواع المونيمات نجده يميز أيضا بين أنواع المركبات. -أنواع المركبات عند مارتيني: أ- التركيب الحر: هو أساس التركيب الكلامي يعبر عن المعنى الأساسي ونجده في الجملة الإسمية مبتدأ وخبر وفي الجملة الفعلية فعل و فاعل قد يمتد إلى المفعول به أحيانا ب-التركيب المكتفي: وهو تركيب يتكون من وحدتين أو مونيمين فأكثر تجمعهما علاقة وثيقة، وتتحدد وظيفته من خلال دلالته الكلية في سياق التركيب و ليس بموقعه مثل الجار و المجرور. وقد تحدث "مارتيني" عن الإلحاق الذي يقصد به كل وحدة تضاف إلى المركب الحر. وقسمه قسمان الإلحاق بالعطف و الإلحاق بالتعلق. 2-التوليدية التحويلية: جاءت التوليدية التحويلية بعد أن بلغت البنوية ذروتها في نهاية الخمسينات، وقد ارتبطت بزعيمها نوام تشومسكي الذي تميزت أبحاثه بمنهجها العقلي والعلمي الرياضي الدقيق، وقد ركز في أعماله على ما يعرف بالقدرة اللغوية عند الفرد المثالي و هي قدرة تمكن هذا الأخير من إنتاج و فهم عدد لا متناهي من الجمل، و عليه يكون النحو التوليدي عبارة عن نظام من القواعد التي تتكرر لتوليد عدد غير متناه من البنيات . وهي قواعد تقوم على ثلاث مستويات أساسية هي المكون التركيبي والفونولوجي والدلالي وهي أساس النحو التوليدي. لقد نشأ بين الاتجاه التوليدي التحويلي والاتجاه الوظيفي صراعا كبيرا لكونهما يختلفان من حيث مبدئهما العام "يقوم النموذج التوليدي التحويلي على مبدأ استقلالية التركيب، ليس عن الوظيفة فحسب، بل عن أي دلالة أو تداول، وعليه يكون التفسير غير النحوي كالظروف و الملابسات الخارجية و مواقف الكلام و غيرها. قليل الأهمية لأن الظاهرة اللغوية تنضبط من حيث المبدأ بشروط نحوية خالصة قابلة لتشكيل على نحو محكم، و يتجسد بدقة في القواعد التحويلية في حين يرى الاتجاه الوظيفي أن الظواهر اللغوية على خلاف مستوياتها تحكمه في الحقيقة من حيث المبدأ عوامل غير لغوية، أي أن جل الظواهر اللغوية ليست إلا انعكاسا للوظيفة التبليغية" وقد تم انتقاد تشومسكي على هذا الأساس مما دفعه هذا الأخير إلى الاعتراف بأن قدرة المتكلم و السامع في الحقيقة قدرتان: قدرة نحوية و قدرة تداولية، و بدخول العامل التداولي إلى التوليدية التحويلية أصبحت نظريات النحوية الوظيفية تميز بين نوعين من النظريات نوع يدخل داخل الإطار التوليدي التحويلي و آخر ينشط خارجها ناقل: خيام خالد: https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/

  • بلاغة الحجاج | أشكال الحجاج | قياس وشاهد ومقومات عاطفية في اللغة العربية

    بلاغة الحجاج - د. محمد الولي ناقل المضمون بالإجازة (Forwarded with consent by ): Khaiyam Khalid. خيام خالد ابتداء أشكال الحجاج قياس شاهد مقومات عاطفية يذهب إ. أ. ريتشاردز إلى أن للغة وظيفتين : إحداهما تعبيرية، تكشف عن إحساس الإنسان بالعالم. والأخرى معرفية تسعى إلى وصف العالم بعيدا عن الاستجابات الذاتية. نلتقي في الحالة الأولى بالوظيفة المعرفية؛ ونلتقي في الحالة الثانية بالوظيفة الوجدانية. في الحالة الأولى يسيطر الخطاب العلمي النَّــزَّاع إلى الوصف والموضوعية وإبعاد كل أشكال التأثر الذاتي؛ وفي الحالة الثانية نلتقي بالخطاب الفني أي بالأدب عموما وبالشعر خاصة. هنا لا تصبح أبواب التعبير عن العواطف مفتوحة وحسب، بل إن التعبير الشخصي يصبح مقياس الأصالة والإبداعية، ويصبح المجال مفتوحا للكشف عن الأسلوب وبهذا المعنى نستطيع أن نفهم العبارة التي أصبحت اليوم مأثورة، ألا وهي الأسلوب هو الرجل. ومع هذا كله فإن إدراك الأبعاد المتعددة للغة هو أمر أقدم مما قد يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة. ألم يذهب أرسطو نفسه في كتابه الخطابة إلى أن هناك ثلاثة أصناف من الخطابة؛ كما أن هناك ثلاثة أصناف من المستمعين، كما أن هناك ثلاثة أشياء ينبغي أن تراعى في الخطاب ألا وهي الخطيب وموضوع الخطاب والمستمع. إن الغاية النهائية هي هنا العنصر الأخير أي المستمع(1). إن نفس الفكرة الأرسطية التي تنظر إلى الخطاب من هذه الزوايا الثلاث هي التي نصادفها عند أغلب اللسانيين والسميائيين المعاصرين. ولنستعر من ميشيل مايير هذا الجدول التوضيحي . (2) الذات الموضوع الآخر ياكبسون الباث الرسالة المتلقي بوهليــــــر التعبير الموضوع الإقناع أوستين المخاطِـب الخطاب المخاطَـب أرسطو الخطيب النص المستمع إن تشديد رسالة ما على أي عنصر من هذه العناصر السالفة يؤدي إلى تلون الرسالة بلون خاص، أي يؤدي، حسب عبارة ياكبسون، إلى تحقق وظيفة ما. وهكذا فإن التشديد على عنصر المتلقي يؤدي إلى بروز الوظيفة الإفهامية. الأمر يتعلق، من هذا المنظور، بإحداث أثر ما في المتلقي. هذا التشديد على عنصر المتلقي هو الذي يؤدي إلى بروز الوظيفة البلاغية (سمها أيضا خطابية أوحجاجية أوإقناعية). هنا ينبغي أن نحذر من الوقوع في الالتباس. إن البلاغية هنا لا علاقة لها بالأسلوبية أو الشعرية. إن هذا المصطلح قد كان وما يزال يستعمل، إن في الشرق أوفي الغرب، وعلى نطاق واسع، بمعنى >الشعرية<. وعلى سبيل المثال لا الحصر ما تفعله جماعة لييج في كل ما تكتبه. أنظر مثلا بلاغة عامة وبلاغة الشعر حيث تترادف كلمة بلاغة مع الشعرية. ومع هذا لا نعدم احتمال الوقوع في لبس أخطر مما سبقت الإشارة إليه. ويتعلق الأمر بتعذر الفصل بين الوظيفتين. إن جان كوهن، يؤكد في كتابه الكلام السامي صعوبة الفصل بين الوظيفتين. فإذا كانت البلاغية تسعى إلى التأثير في المتلقي وتعديل حاله النفسية والفكرية، فإن الشعرية (أي الشعر أوخاصية الشعرية) تسعى إلى نفس الغاية. إن متلقى القصيدة لا يظل هو نفسه بعد الانتهاء من القراءة. فإذا كان تغيير الأحوال النفسية والفكرية هو غاية الأقوال الحجاجية أوالبلاغية فإن الشعر نفسه يحقق هذا الغرض. هنا تلتبس الوظيفتان. ومع هذا كله فإننا نسلم هنا بأن الوظيفتين متباينتان ومتعارضتان. إن المتحدث بمجرد ما يقوى حرصه على الإقناع يبادر بشكل عفوي إلى تجنب استخدام الشعر. إذا كان كل من الشعر والخطابة يستهدفان المتلقي، فإن ما يلتمسه الشعر من المتلقي شيء مختلف تماما عما تلتمسه الخطابة. الشعر في أجود نماذجه قد يترفع عن مهام الإقناع. وذلك لسبب بسيط وهو أن الرسالة تتحول بين يدي الشعراء إلى كيان لفظي سميك غارق في كل أنواع التعدد الدلالي. وربما كانت هذه من الأدوات الأساسية المعتمدة في الشعر. إننا لا نتصور قارئا للشعر متضايقا من هذا التعدد الدلالي. وحتى حينما نتصور أن هناك معنى ما، فنادرا ما يتفق الشعراء والقراء على المعنى المقصود في قصيدة ما. وهناك من يذهب إلى حدود أبعدمن هذه، لكي يقال إن الشعر لا يحيل على معنى ما. كل هم القصيدة أن تلفت نظرنا إلى وجودها وإلى جمالها. القصيدة حينما تنفلت من بين يدي صاحبها تعانق هوية جديدة ومستقلة عن إرادة مبدعها. والقارئ حينما يقرأها لا يستهلك احتمالاتها. إنها تغري في كل قراءة باحتمالية دلالية جديدة . وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الخطابة. لم يمتدح أبدا الغموض في الخطابة، كما امتدح في الشعر. وقلما خطب الخطباء لمجرد إمتاع المستمعين. كما أن المستمع الذي يبحث عن المتعة الجمالية عند الخطباء يضل الطريق. وربما اعترض معترض لكي يقول : إن هناك خطباء يمتعنا أسلوبهم أكثر مما يفعل بعض الشعراء إن هذا ممكن، إلا أن هذه الإثارة هي مجرد تكئة إقناعية. إن ما نعتبره مقومات شعرية في الخطابة هي في الواقع مقومات حجاجية. هي حجج. إن الخطيب، حينما يستخدم الاستعارات في الخطابة فلا يفعل ذلك لأجل الإمتاع، وإنما يفعل ذلك لأجل الإقناع. لقد ذهب شيشرون إلى التمييز بين ثلاثة وظائف في الخطابة وهي الإفادة والإمتاع والتأثير(3). ومع هذا فإن هذه المتعة ليست مقصودة في حد ذاتها. إنها وسيلة لا غير. لا يمكننا ونحن نتناول هذا الأمر التغاضي عن رأي بيرلمان في هذا الموضوع. إن أي محسن في الخطابة لا يسعى إلى مجرد إمتاع المتلقي. إنه بالأحرى حجة إقناعية ولا يصبح محسنا إلا حينما يقصر عن أداء وظيفته الحجاجية. إن الخطيب يعبئ كل الإمكانات التي تتيحها اللغة، متجها نحو غرضه الرئيسي ألا وهو الإقناع. إن هذه الحجج اللفظية، من قبيل الاستعارة والتمثيل والجناس والوزن والسجع الخ، لا تعود محسنات إلا حينما تفشل في أداء مهمتها الإقناعية. هكذا يتضح إذن أن الخطابة تحرص على كسب المستمع إلى جانب الأطروحة التي يدافع عنها الخطيب. إن الغاية هي إذن تغيير حال المتلقي، وذلك بإخراجه من حالة المعارضة (أوعدم الإكتراث) لأطروحاته إلى حال قبولها والدفاع العملي عنها. الغاية هي إذن تغيير السلوك. وحينما يتم تغيير السلوك فهذا يعني أن الخطيب قد أنجز مهمته. إن البلاغة بهذا المعنى، قد تزامن ميلادها مع ميلاد الإنسانية، بل مع ميلاد الحضارة. إن الإنسان حينما قرر أن يستعمل اللغة كأداة لتغيير أحوال من يشاركهم في بناء المجتمع. وحينما قرر الاستجابة بالاستماع إلى أخيه الإنسان. وحينما قرر وضع كل شيء موضع حوار وتفاوض. وحينما رأى ضرورة معالجة الإختلاف وتعارض المصالح بالحوار، أي بالخطابة. في هذه الحالة كان الإنسان يحقق أخطر قفزة في حياته العقلية، وذلك بالتخلي عن استعمال العنف في معالجة مشاكله الحيوية. وبطبيعة الحال فإن اكتشاف الإنسان لطاقات اللغة الحجاجية لم تجعله يتخلى نهائيا عن نوازعه الهمجية، أي عن العنف. وليست الحروب بين الشعوب أوالحروب الأهلية أوبين الأفراد إلا ذلك الإرث الهمجي الذي كان فيه الإنسان يعالج التعارض مع أمثاله بالعنف لا بالعقل. ويبدو أن النهاية النهائية للعنف وتنصيب الخطابة بديلا للعنف، يحتكم إليها، هي وحدها، في حالات التعارض، هي نهاية بعيدة بل هي محال. ومع هذا فإن الإنسانية تحس في حالات كثيرة بأن هناك حاجة ماسة إلى التخلي عن العنف، واللجوء إلى الحوار أي إلى الخطابة). إن الإنسانية حين قررت اللجوء إلى الخطابة لمناقشة اختلافها لم تضع جانبا أدوات العنف، بل كثيرا ما نظرت إلى هذه الأدوات باعتبارها ضمانة لفعالية الخطابة. وفي هذه الحالات فإن الخطابة تصبح مجرد غطاء للتوحش. إن الخطابة لا تكون فعالة إلا حينما تتداول بين أطراف متكافئين في كل شيء بما في ذلك كفاءة الخطابة. وهذه الحالات المثالية لا يمكن أن تتحقق في مجتمع يقوم على التفاوت بين أفراده. إن التفاوت في الثروات يترتب عنه تفاوت في تملك وسائل الحوار والخطابة. يبدو أن ميلاد الخطابة قد تزامن مع ميلاد اللغة. إذ أن المتكلم يحقق حينما يتوجه بخطابه إلى مستمع ما، وظيفة أساسية ألا وهي تحويل حال المتلقي، إلا أن نظرية الخطابة قد تأخر ميلادها بعهود. هناك شبه إجماع بين مؤرخي البلاغة على أن ميلاد نظرية البلاغة قد تحقق في اليونان. فإذا كان أرسطو يعتبر أب المنطق الصوري فإنه من الزاوية الأخرى يعتبر أيضا أب المنطق الطبيعي، أي أب علم الخطابة. يقول شايم بيرلمان: لقد ميز أرسطو في الأوركانون نوعين من الاستدلالات، الاستدلالات التحليلية والاستدلالات الجدلية. إن الدراسة التي كرسها للأولى في التحليلات الأولى والثانية قد بوأته صفة أب المنطق الصوري. إلا أن المناطقة المحدثين لم يدركوا، لعدم معرفتهم أهمية ذلك، أن أرسطو قد درس الاستدلالات الجدلية في الطوبيقا والخطابة وتفنيد السفسطة. وهذا أيضا يجعله أب نظرية الحجاج. (4). وبعبارة أخرى فإن أرسطو قد اكتشف أن هناك إمكانية لوضع نظرية المنطق الطبيعي أو اليومي الذي يستخدمه الناس لأغراض عملية أونفعية مرتبطة بالمصلحة الإنسانية وبعواطف الناس وأهوائهم. لقد سبق لأفلاطون أن عبر بشكل صريح عن موقفه إزاء هذا المنطق أي إزاء الحجاج أوالخطابة باعتبارها أفكارا متلونة ومتغيرة تند عن كل ضبط. فلنستمع إلى ميشيل مايير وهو يختصر رأي أفلاطون في الخطابة أو البلاغة : وبالنسبة لآخرين، مثل أفلاطون، فإن البلاغة هي سفسطة، إنها لا تتوفر على أي شيء إيجابي. لقد كان السفسطائي يشبه المحامي القادر على اللعب على شتى معاني الكلمات والمفاهيم، إذا كان هذا يخدم أطروحته سواء أكانت صائبة أم خاطئة. إن السفسطة، بعيدا عن الالتزام بالصفات الأخلاقية للخطيب، تستطيع أن تبيع نفسها لكل القضايا، وقد تقدمت منذ البداية باعتبارها خطاب العاجزين، أولئك الذين لا يرون إلا النار وأولئك الذين لا يصنعون إلا الريح. إن التأهب للدفاع عن أي شيء يعني عدم معرفة أي شيء. وكرد فعل ضد البلاغة سيطور أفلاطون الفلسفة باعتبارها الخطاب الضروري (الأبوديكتيك) المتمركز على الصدق، الذ ي يجد معياره قبل أىة خاصية أخرى في إقصاء أي تناقض ممكن. ستصبح الميتافزيقا الجواب عن البلاغة، الجواب الذي يتجاهل أي تساؤل غير خاضع للصدق القضوي الضروري وغير المثير للنقاش. ماذا تصبح البلاغة في كل هذا غير الاستخدام (الآثم) للقضية ووهما بالصدق، وجهلا مغلفا؟ إن الخطاب الحقيقي أي اللوغوس لا يلتفت إلى الرأي والاحتمال واحتمال الحقيقة النقيضة، إن ذلك قد يكون بالتعريف خطأ. إن الصدق لا ينقسم وإلا فإنه لا يعود له وجود. إن الغموض وتعدد المعاني والانفتاح على تعددية الآراء لا تعود حينئذ إلا الكلمات الأساسية للعاجز الذي يجهد نفسه لكي يتحدث عن كل شيء ولكي يبعث الانطباع بأنه يعرف ما يتحدث عنه. إن الجدل حسب أفلاطون هو نظام من الأسئلة والأجوبة، وهو قبل كل شيء التعبير عن هذه الحقيقة الوحيدة التي ينبغي أن تنبثق من المناقشة، لأنها مفترضة فيه. إن هذا الانبثاق للمعرفة يقوم، بعيدا عن النقاش، على واقع ثابت، متكون من حقائق قائمة بشكل مسبق، أي أفكار يخضع لها الجدل والتي يكشف عنها هذا الجدل. إن البلاغة الحقيقية هي الفلسفة المحددة بهذه الطريقة. إن المشاكل الحقيقية لا تشكل موضوعا للمناقشة بالشكل الذي تتصوره البلاغة، إنها تشكل موضوع العلم إذ أنها لا تستسلم إلا لجواب واحد. إن الأجوبة المتعددة لا تعود إلى العلم لأنها تترك المشكل قائما، وتسلمه هو والإنسان الذي يقف عند تلك الحدود، إلى تسكع الآراء المتناقضة (5). يبدو من خلال هذا النص لميشيل مايير أن أفلاطون يدين البلاغة لأن مادتها الأولية التي تشتغل بها وتقوم عليها هي الرأي، ما يسمى في اليونانية دوكسا. وهو عبارة عن الأفكار التي تعتقد فيها عامة الناس وتتداولها في معاملاتها التي تجسد اجتماعية الناس. وبديهي أن الرأي لا علاقة له بما تعودنا عليه في المجال العلمي إن الرأي لا يقوم إلا لأن الناس يسلمون به ويقبلونه في ظل شروط عينية. وهو على كل حال لا يمكن أن يكون موضع إجماع الإنسانية. إن الرأي شديد الميوعة إنه يتلون بتلون الثقافات والمجتمعات واللحظات التاريخية والطبقات الإجتماعية. وليس لهذه الآراء أي سند غير أخذ الناس بها. وليس لها أيضا أي سند علمي أومنطقي أوتجريبي. إن رأيا ما قد يبدو أنه يرقى إلى مستوى الكونية من قبيل ضرورة احترام الآباء< لا نعدم موقفا يتعارض معه إذ إن من الناس من لا يلتزم بهذا الاحترام. بل ولا يرى ضرورته. ومن جهة أخرى فإن مفهوم الاحترام حتى حينما نسلم به ونتفق عليه، سرعان ما نكتشف أن الأمور ليست بهذه البساطة. فما يفهمه شخص ما من الاحترام ليس ما يفهمه شخص آخر. فقد يعتبر الأول الاحترام مجرد عدم الإزعاج أوالمضايقة. في أن الثاني قد يعتبر الاحترام تقديم كل العون والدعم الذي يتوقف عنه الآباء في حياتهم اليومية. وما نقوله مثلا عن احترام الآباء يمكن تعميمه على احترام الأبناء. مثل هذه الميوعة والتلون غير المحدود في الرأي هو المادة التي تتغذى منها البلاغة. البلاغة تعيش إذن على هذه الاحتمالية. كل شيء يغدو في البلاغة قابلا للنقاش. ولا أمل في هذا الميدان في قيام نوع من الاتفاق ناهيك عن الإجماع. ولنتأمل ما يجري حولنا اليوم في عالمنا المعاصر. إن مبادئ هيئة الأمم مثلا هي محاولة لتوحيد هذه المبادئ أوالرأي على المستوى الإنساني. يتعلق الأمر بمحاولة تحقيق نوع من الإجماع الشبيه بالإجماع العلمي. ولكن كم هي المرات التي نلاحظ فيها أن هذا التوحد هو مجرد سراب. إذ سرعان ما نلاحظ أن هذه المبادئ تتعرض لتأويلات متعارضة، بل متناقضة. حدث هذا في حرب الخليج وحدث في البوسنة وحدث في فلسطين. هذه الوحدة هي مجرد بلسم لجروح الإنسانية التي لن تندمل أبدا .هذا شيء طبيعي بل هو جوهر الإنسانية. إن الحالات القليلة التي تتوج بالاتفاق بين الناس تدعو إلى الاستغراب. وذلك لأن الحالة الطبيعية هي التطاح. والغلبة هي بالضرورة لا تكون لمن يتملك القدرة على الحجاج بل الغلبة تكون لمن يملك وسائل العنف. يقول مشيل مايير : إن الناس يتكاثرون باستمرار. وهم عرضة لانقسامات متزايدة. ولأجل حل مشاكلهم كثيرا ما لجأوا إلى الحرب. إلا أنهم بالإمكان أن يتحدثوا عن مشاكلهم لأجل التفاوض ومناقشة ما يجعلهم متعارضين. في هذه اللحظة يجدون أنفسهم في حاجة ماسة إلى البلاغة. إنها توهمهم بإلغاء الاختلافات بينهم، إلا أنهم مع ذلك، ينجحون وبشكل لغزي، في ذلك. كل أهمية البلاغة تكمن في هذا اللغز أوالسر(6). وبما أن الإنسان لا يكون دوما في حالة تسمح له، لسبب من الأسباب؛ للعجز مثلا أو للاقتناع، باختيار الحرب أوالعنف فإن البلاغة تصبح هنا حاجة حيوية. البلاغة بديل عن العنف. وهذا البديل لا يستند أبدا إلى الإنصاف. الإنصاف نفسه مجرد وهم البلاغة هي في جوهرها تدبير الاختلاف. وتصريف التنازلات التي لا تكون أبدا عادلة. بل إن قياس عدلها يظل أمرا مستعصيا. إن الوعي بضرورة البلاغة هو الذي قاد أرسطو إلى وضع نظرية في الحجاج بعد أن وضع نظرية المنطق الصوري. لقد أدرك أن هناك منطقا ما خفيا مختلفا عن المنطق المتعارف عليه عند العلماء. لقد ميز في سبيل ذلك الرأي من الحقيقة الأول هوأساس البلاغة أي الحجاج والثانية هي أساس العلم. فكما أنه من غير المقبول اعتماد الرأي في العلم فمن غير المقبول أيضا اعتماد الحقيقة في البلاغة. بل إن الأفكار بمجرد ما تتلبس لبوس الحقيقة تكف أن تكون مناسبة للبلاغة. البلاغة تظل مجال الاحتمالية لا الحسم. إن التأليف بين الآراء ينتج عنه الاستدلال الجدلي في حين أن التأليف بين الحقائق ينتج عنه الاستدلال التحليلي وهذه تمتاز بكونها برهانية وغير شخصية. إنها في غنى عن تزكية المتلقي. في حين أن الاستدلال الجدلي لا يكون فعالا إلا إذا كان متألفا من آراء مقبولة عند كل الناس أوعند الأغلبية أوعند الفلاسفة أي مقبولة عند الجميع، أوعند الأغلبية أوعند أخيارالناس وألمعهم. يقول شايم بيرلمان : إن الاستدلالات الجدلية تنطلق مما هو مقبول وهدفها هو العمل لأجل قبول أطروحات أخرى هي موضع نقاش أو يمكن أن تكون كذلك: إنها تسعى إلى الإقناع. وهي لا تكمن في الاستنتاجات الصحيحة والملزمة، ولكنها تقدم حججا مقبولة، إن قليلا أوكثيرا. إلا أنها لا تكون أبدا صورية. إن حجة مقنعة هي تلك التي تقنع ذلك الذي تتوجه إليه: إن الاستدلال الجدلي، على العكس من الاستدلال التحليلي، هو مشخص دائما، إذ أنه يثمن بحسب تأثيره في ذهن ما ( أي في شخص ما). وينتج عن هذا ضرورة التمييز تمييزا واضحا، الاستدلالات التحليلية من الاستدلالات الجدلية، إن الأولى تقوم على الصدق وتقوم الثانية على الرأي. إن كل مجال يتطلب نمطا خاصا من الخطاب، إنه لمن المضحك اكتفاء الرياضي بالحجاجات المعقولة، كما أنه من المضحك أيضا اعتماد الخطيب على البراهين الرياضية (7). ومع هذا كله ينبغي أن نعمد إلى نفي بعض الالتباس ويتعلق الأمر هذه المرة بالتمييز بين الجدل والخطابة. لقد كان أرسطو ينظر إلى الخطابة باعتبارها نوعا من الجدل. إنهما معا ينتسبان إلى نفس الحقل ألا وهو حقل الرأي. ومع هذا لم يفت أرسطو التمييز بينهما. إن الجدل أعم من الخطابة. يقول لامبروس كولوباريتيس: إننا نستطيع أن نقول إن الجدل يتجاوز عند أرسطو ،حقل الخطابة، إن هذه تمثل جزءاً وحسب من الجدل، في مقابل جزء آخر يخضع للنقد بمعناه الحصري. إن هذا الجزء الثاني هو وحده الذي يعود إليه فضل التفرغ للتحليل الفلسفي ولكل المعرفة ذات الطبيعة المبدئية لكي تشكل لحظة في المنهج الآبوريتيك. ولهذا نفهم لماذا عمد أرسطو في الميتافزيقا إلى التقريب بين الإجراء الفلسفي والنقد ولا يحيل نهائيا على الخطابة، التي تبدو بوصفها جدلا ينتسب إلى المجال الخاص للفعل (8). إن التفكير الفلسفي الذي يمثل النوع الأعم من الجدل بالتعارض مع البلاغة، يقلص من احتمالات تدخل الذات من جهة ويقلل أيضا من احتمالات تسخير الخطاب لغايات التأثير على المتلقي لاستمالته وبالتالي التأثير على سلوكه. هذا هو جوهرالاختلاف بين الجدل وبين الخطابة. وبهذا المعنى نفهم قول أرسطو: يبدو أن الخطابة قادرة على الكشف عن سبل الإقناع في أي موضوع (9) وبطبيعة الحال فإن هذا الإقناع الذي يتحدث عنه أرسطو لا يتعلق إلا بجنس معين ألا وهو ذلك المتعلق بإصدار حكم ما. ولا يتعلق الأمر بأي حكم كيفما كان وإنما يتعلق الأمر بتلك الأحكام التي تروم النصح والزجر أوالمدح والتأنيب أو الاتهام والدفاع. أي بالأحكام المنتسبة إلى أنواع الخطاب الثلاثة المخصوصة في الخطابة ألا وهي الخطابة الاستشارية والقضائية والاحتفالية. في هذه المجالات إذن ينبغي استخدام القياسات المضمرة والشواهد لأجل إقامة ما هو مقنع بغاية أن نبعث في المتلقي حكما لصالح ما يلتمسه الخطيب. وهنا يصبح مجال الخطابة الخاص محصورا بشكل صريح : إنه يتعلق أساسا بالمسائل المنتسبة إلى المجال الخاص للفعل(10). وهذا العوامل المحايثة المساهمة في تحقيق الإقناع منها ما هو، كامن حسب أرسطو، >في الطبع الأخلاقي للخطيب، ومنها ما هو كامن في استعدادات السامع ومنها أخيرا ما هو كامن في الخطاب نفسه من حيث إنه يثبت أو إنه يبدو أنه كذلك.<(11). أشكال الحجاج تميز البلاغة التقليدية بين نوعين من الحجج. الأول يمثل حججا غير صناعية. بمعنى أنه لا دور للخطيب في ابتكارها لأنه يعثر عليها جاهزة. ومن قبيل هذا الوثائق المكتوبة أوالنصوص القانونية أوالاتفاقات أو الاعترافات التي نحصل عليها بالتعذيب مثلا أوالقسم أو الشهود. وهذه الحجج تمثل أضعف الحجج في نظر أرسطو، إذ لا دور لابتكارية الخطيب فيها. بل إن الخطابة قبل أرسطو كانت تهتم بهذا النوع من الحجج غير النصية أي غير الصناعية. ولأمرما يذهب أرسطو إلى القول إن علم الخطابة الحق ينبغي أن يوجه كل عنايته إلى الحجج الداخلية التي يختزلها إلى جنسين. أحدهما هو القياس والثاني هو الشاهد. وهاتان هما الحجتان الأساسيتان القائمتان في الخطاب نفسه، مقابل الحجج التي تعتمد على طبائع الخطيب أوعلى طبائع المتلقي. القياس يقول أرسطو: إنني أسمي المضمر قياسا خطابيا، وأسمي الشاهد استقراءا خطابيا. إن كل الناس يبرهنون على إثبات ما إما بالشاهد أو بالمضمر، ولا يوجد غيرهما لأجل هذه الغاية(12). ويقول أيضا، إن أولئك الذين يكتبون اليوم عن الخطابة لا يهتمون إلا بجانب ضيق منها. إن الحجج هي وحدها التي تحظى بصفة الصناعية، وما عداها فهو مجرد أدوات مساعدة لا غير، والحال أن الدارسين لا يقولون أي شيء عن المضمر الذي يمثل جسد البرهان. وفي الكثير فإن تعليماتهم لا تتوجه إلا إلى أمور خارجية عن عمق المسألة (13). إن الذي يتوسل باللغة على سبيل الحجاج يجد نفسه مضطرا حينما يحاول أن يستعمل الوسائل الحجاجية الأصيلة في صناعة الحجاج مضطرا إلى استخدام جنسين من الحجج. يسمى الأول المضمر ويسمى الثاني الشاهد. ولا شيء يلزم الخطيب بهذا الجنس أو ذاك. إن هناك مقامات يصلح فيها الشاهد وهناك مقامات أخرى يصلح فيها المضمر. ولا يفوت أرسطو أن يجد هنا عمليتين مشابهتين للعمليات المنطقية أي الاستنباط والاستقراء. إلا أن الأمر يتعلق هنا باستنباط واستقراء خطابيين. إنهما بعبارة أخرى مقومان منتميان إلى دائرة المنطق العامي، لا العلمي. فإذا كنا في الاستنباط العلمي نجد أنفسنا أمام مثل هذه العبارات: " إذا كان أ = ب ، وكان ب = ج، فإن ج = أ" التي تمثل البرهان المنطقي الذي يسمى القياس وهو يقوم على الانطلاق من مقدمة كبرى تليها مقدمة صغرى ثم الاستنتاج في الأخير، أو أمام مثل العبارة الآتية التي تعتبر هي أيضا من قبيل العبارات المنطقية، أوالعلمية : كل الناس فانون، سقراط إنسان، إذن سقراط هو بالضرورة فان. إلا أن القياس قد يغدو خطابيا لكي يعبر عما لا يكون بالضرورة صادقا، أوعما هو مجرد احتمال أو مقبول أومسلم به عند العامة. إننا حينما نتناول المثال الآتي: نفس سقراط قصير إذن هو محموم. نقف على خاصيته المضمرة على مستويين وهما أولا إننا نستنتج من قصر نفس سقراط كونه محموما. والحال أن هذا مجرد احتمال. وثانيا إننا نلاحظ أن هناك أقوالا تم إضمارها ولم يصرح بها. ويحتمل أن تكون هذه الأجزاء هي التالية: كل إنسان محموم قصير النفس سقراط قصير النفس إذن سقراط محموم. إن هذه الأجزاء المحذوفة هي التي جعلت هذا القياس تلتصق به تسمية المضمر. ويبدو أن بعض الحجج قد تكون مقبولة من حيث الشكل إلا أنها من حيث المحتوى تعبر عن أمر مستنكر وليس مرفوضا وحسب. ومن هذا القبيل هذه العبارة التي وجهها إلى أبيه صبي في رواية تريستام شاندي للاورينس ستيرن: لماذا لا أستطيع أن أنام مع أمك؟ والحال أنك أنت تنام مع أمي. ومن الأمثلة على هـذا الـقياس الـمضمر هذا الشعار الذي رفعه الفرنسيون خلال الحرب العالمية الثانية في كفاحهم ضد النازية: الأقوياء ينتصرون (المقدمة الكبرى) نحن أقوياء (المقدمة الصغر) إذن نحن منتصرون (النتيجة). >إن الخطاطة الكاملة لتأليف الأفكار الرئيسية والأفكار الحجاجية هي القياس الذي يتألف من الأجزاء الآتية: القضية (تقديم الغاية البرهانية) "سقراط فان. البراهين وهي تسمى أيضا المقدمات (وهي جمل موضوعة قبل الاستنتاج) ويكون لموضوعاتها درجتان من الاتساع. المقدمة الكبرى والتي هي باعتبارها إضافة برهانية تفتتح بواسطة الأداة لأن وهي برهان لها موضوع ذو اتساع أكبر من موضوع القضية : "كل الناس فانون. المقدمة الصغرى والتي هي متعارضة مع المقدمة الكبرى تفتتح غالبا بأداة عارضة، والحال أن، هي برهان يكون موضوعه ذا امتداد أصغر من موضوع المقدمة الكبرى، الاستنتاج: سقراط فان. وفي أغلب الحالات، فإن القياس يختزل إلى جملتين أوثلاث من الجمل الأربعة المكونة. ويعتبر مع ذلك قياسا تاما حينما نذكر لمرة واحدة الفكرة الأساسية (كقضية أو كاستنتاج) مجتمعا مع البرهانبن. (...) وإن اختزالا أكبر من هذا يسمى المضمر. وهذا الاختزال يكمن في : اختزال الاتساع أي: في الاحتفاظ بالفكرة الرئيسية مع اختزال البرهانين في برهان واحد قد يقدم وقد يؤخر عن الفكرة الأساسية. وفي حذف الفكرة الأساسية، الشيء الذي يحول المضمر إلى تفخيم الفكرة. وفي حال عدم إمكان الإحاطة بالبراهين، (بغاية التحسين أو الإمتاع الجمالي)، فإن هذه يمكن أن تتوفرعلى دليلين أوعلى دليل واحد. هذا النقص يمكن أن يتمثل أىضا في غياب الوظيفة البرهانية عموما. إن الوظيفة السببية لهي واحدة خاصة فقط من (هو أكثر شيوعا ونموذجية في التحليل البلاغي) التأليف المفهومي عموما الذي يمكن أن يمس مفاهيم أخرى (المقارنة، التعارض، الغاية، النتيجة، الشرط، العلاقة الزمنية (14). ومع هذا يبدو أن أبسط طريق لتحديد القياس هو تعريفه بالتعارض مع المقارنة، أوالشاهد. الشاهد هناك التباس مصطلحي ينبغي تبديده قبل متابعة الحديث. يلتبس مفهوم الشاهد في الكثير بمفهوم التشبيه من جهة، وبمفهوم المقارنة من الجهة الأخرى. فإذا كان الأمر يتعلق عموما بالمشابهات، فإن هذه تستعمل في الشعر متجهة نحو إثارة المتعة لدى المتلقي من قبيل قول الشاعر بدر شاكر السياب: ينساب صوتك إلي كالمطر الغضير. إن مقارنة الصوت بالمطر لا يختلف من الناحية الشكلية عن الشواهد الخطابية. وذلك أننا ننتقل من خاص وهو صوتك إلى خاص آخر وهو المطر. وتظل الخاصية المشتركة العامة مضمرة هنا. إلا أنه هنا يتعالى عن الوظيفة الحجاجية لكي يتوجه إلى إثارة إحساساتنا وإمتاعنا جماليا. يستحسن أن نتحدث في هذه الحالة عن التشبيه. ونفرد مصطلح المقارنة بالاستعمال للدلالة عن هذا المقوم الذي يستخدم كأداة للمقارنة الكمية. إن المثال هو أشقر مثل أبيه لمن قبيل المقارنات الكمية التي لا مجال للاختلاف بصددها. إن الشاهد هو حسب العلامة الألماني هنريش لاوسبيرغ: مجال محصور من التشبيه ويقووم على حدث ثابت تاريخيا (أسطوري أو أدبى) يوضع في وضع المقارنة مع الفكرة الموضوع. فإذا كان الشاهد مستعملا على سبيل الصدق باعتباره علاقة تاريخية دالة لواقعتين تاريخيتين فإننا في هذه الحالج نتحدث عن النمط. يمثل الشاهد الجنس الثاني من الحجج التي يعتبرها أرسطو عمدة فن الحجاج. فإذا كان التاريخ يعلمني أن الطاغية (س) قد أحاط نفسه بحرس شخصي واتخذ لنفسه مسكنا محصنا، وأن الطاغية (ي) قد فعل نفس الشيء وكذلك (ز) فإنني أستقريء هذه القاعدة العامة بأن السلطة الطغيانية تتكيء على امتلاك حرس شخصي وعلى مسكن محصن. وفي الحالة التي أريد أن أبين فيها بأن مواطنا يتخذ له حرسا شخصيا ويتخذ له مسكنا محصنا يهدد الديموقراطية، فإنني أستطيع أن أتوسل بالشاهد. إن فلان الذي يتخذ له حرسا شخصيا والذي يتخذ له مسكنا محصنا، ينزع إلى الطغيان، لأن هذا ما ما فعله (س) و(ي) و (ز). قبل أن يصبحوا طغاة. وبالإمكان أن أعتبر القاعدة العامة مقبولة فأعمد إلى القياس المضمر: إن فلان الذي يتخذ له حرسا شخصيا ويتخذ له مسكنا محصنا ينزع إلى الطغيان إذ دائما يقوم الطغيان بهذه الطريقة. إن أهم أقسام الشاهد التي تحدث عنها أرسطو هي الشاهد التاريخي والشاهد الشعري والشاهد الاحتمالي. إن الشاهد التاريخي هو الذي يحصل في أغلب الأحوال، إذ أنه يعتمد على الحقيقة وهو تبعا لذلك الأكثر إثارة للتصديق. لا ينبغي أن نترك ملك الفرس الأعظم يستولي على مصر إذ أن داريوس استطاع، بعد أن احتل مصر، أن يتمكن من أوروبا وكذلك فعل كركيس. ويقوم الشاهد المبتكر على تخيل شبيه مماثل للحالة المطروحة للنقاش. إن القضاة لا يتم اختيارهم بواسطة القرعة إذ أنه لا يمكن تعيين ربان السفينة على سبيل القرعة، ولكن يتم اختيار ذلك الذي يتقن القيادة. إن الخرافة يتم اختيارها هي أيضا لتشابهها مع الموضوع المطروح. إن إيزوب، كما يحكى قد نهى شعب ساموس عن العقاب بالموت ديماغوجيا. واعتمد في نصيحته تلك على الخرافة الآتية في يوم من الأيام سقط الثعلب في إحدى الهاويات وبدأ لتوه القراد في مص دماءه إلا أنه رفض العرض الذي قدمه له القنفذ والـمتمثل في تخليصه من هذا القراد قائلا له إن هذا القراد قد أصبح الآن متخما، وإذا انتزعتها فإن أخريات جائعات سيحضرن لكي يشربن ما تبقى من دمائي. كذلك يستنتج إيزوب، فإن هذا الرجل لن يلحق بكم المزيد من الأذى، إذ أنه قد أثرى. وإذا تمت إدانته فإن آخرين فقراء سيحضررون، سيسرقونكم ويستهلكون آخرالأملاك العامة (15). والواقع أن الشاهد المبتكر هو الذي يسمى الاستعارة الترشيحية بل يسمى التمثيل. وتسمى في البلاغة الغربية الأليغورية أي الاستعارة المسترسلة التي تكون كل عناصرها مجتلبة من نفس الحقل الدلالي. إن المتنبي في البيت التالي : نامت نواطير مصر عن ثعالبها قد بشمن وما تفنى العناقيد لم يكتف باستعارة النواطير مفردة بل صاحبها بمجموعة متكاملة من الدلائل المشكلة لحقل متكون من الكروم وما يلازمها من الحراسة وتهديد الثعالب والتخمة وطلب المزيد بل وتوفر هذا المزيد وسكوت بل وتقاعس الأهالي عن رد الثعالب. إلا أن المتنبي لم يكن يقصد بطبيعة الحال وصف هذا الحقل، وإنما كان يقصد إلى وصف حقل آخر شبيه هو حقل السلطة والشعب والتسلط والاستكانة. إننا نجد أمام كل عنصر من هذه العناصر ما يقابله في الطرف الآخر. إن الثعالب تقابل المتسلطين من الحكام. والنواطير تقابل الشعب، والعناقيد تقابل الثروة. وبشمن تقابل الشبع. هذه هي الأليكوريا كتلتان من الدلائل المتماسكة والمشكلتين لحقلين دلالين تربطهما علاقة مشابهة ما يسهل إدراكها. ولهذا كثيرا ما اتخذت دعامة لتوصيل الأفكار. الشيء الذي لا يمكن أن تضطلع به الرموز. ومما يمكن أن يرتبط بهذا المقوم التي هي عبارة عن أليكوريات غامضة. ومن قبيل الشاهد المبتكر المقابل لما سمي سابقا الخرافة ما نجده عند أحمد شوقي في قصيدته سليمان والهدهد. هذا التقنية المسماة الشاهد بصيغتيه المعروفتين ألا وهما المبتكر والخرافي هما القنطرة القوية الرابطة بين الحجاج والأدب. إن الشاهد ليس مجرد أداة حجاجية وحسب غايتها الإفادة، بل إنها بالإضافة إلى الفائدة تضطلع بدور الإمتاع. وما الإمتاع إلا الأدب؟. في هذه الجناح من صرح الخطابة، يقوم هذا الكائن الغريب الذي يسمى الشعر. ولأمر ما يسمى هذا الشاهد تارة شعريا ويسمى طورا آخر مبتكرا. ولا يعني الابتكار في اليونانية إلا الشعر. إن القياس المضمر، أوباختصار، المضمر والشاهد هما المقومان الأساسيان في الحجاج. يقول أرسطو >يبرهن كل الناس على إثبات ما باعتماد الشواهد أو المضمرات، ولا يوجد شيء خارج هذين المقومين< (16) المقومات العاطفية تعرضنا فيما سلف للمقومات الحجاجية العقلية أو شبه المنطقية إذا صحت العبارة. أو بعبارة أخرى المقومات النصية. إلا أن الخطيب يلتجىء إلى نوع آخر من المقومات الذاتية أو المحايثة. وتتعلق هذه بالمقومات الذاتية أو الانفعالية. لا يتعلق الأمر هنا بالمقومات الذاتية للخطيب كما نعرفه في الواقع ولكن يتعلق الأمر بتلك الملامح الشخصية كما تتحقق خلال إلقاء الخطبة. وهذا الجانب الانفعالي للخطيب يختلف اختلافا جذريا عن ملامح الخطيب في حياته الواقعية. وذلك يعود بكل بساطة إلى كون هذه الملامح الواقعية الثابتة في الخطيب لا تمثل علامة من علامات الابتكار. الأحوال الانفعالية المقصودة هنا هي تلك المظاهرالشخصية أوالطبعية التي يظهر بها الخطيب خلال إلقاء خطبته. هذا المظهر الآني الذي يتكلفه الخطيب جزء مهم من الأدوات الإقناعية. إن تطويع مظهر الخطيب للغايات المقصودة من شأنها أن تسعف الغاية الإقناعية إذا تمكن الخطيب من الاستثمارالجيد لكفاءاته؛ بل إننا نستطيع أن نقول إن هذا المظهر قد يكون حاسما في بعض الحالات. إن مظهر الخطيب في حد ذاته بغض النظر عن حججه كثيرا ما عوض الحجة. بل إننا نستطيع أن نزعم إن المظهر هنا في حد ذاته قد أصبح حجة مقنعة. يقول جاك لوكومت: لقد أظهرعديد من الدراسات في مجال علم النفس التجريبي أن الرجال والنساء ذوي المظهر الجسدي الجذاب يعتبرون في غالب الأحيان أذكياء وطيبين ومقتدرين، وهذا يرفع من قدرتهم الإقناعية. إن هذا الإقرار يتجاوز حدود المختبر وهو يوجد في الحياة اليومية. لقد كشفت دراسة كندية، بمناسبة حملة سياسية، بأن المرشحين الجذابين قد حصلوا على معدل من الأصوات يبلغ الضعفين والنصف مما حصل عليه الآخرون. ومع ذلك فإن 73% من المصوتين المستفسرين قد نفوا أن يكون اختيارهم متأثرا بالمظهر الفزيائي للمرشح. وبشكل أعم فإذا لم يكن الشخص المصدر جذابا فإن التأثير يظل خاضعا على وجه الخصوص لجودة الحجاج. وإذا كان جميلا، فإن المستمع يأخذ بعين الاعتبار هذه الخاصية أكثر مما يأخذ بعين الاعتبار محتوى الرسالة< (17). وهذه الحجة هي التي تسمى حجة السلطة. حيث أن فكرة ما تعتبر مقبولة لمجرد أن قائلها هو يتمتع بنفوذ ما سياسي أو اجتماعي أو علمي أو وراثي أو جسدي . إن أطرف المباحث في البلاغة الغربية هو المبحث المتعلق بالمتلقي، أي بما يسميه أرسطو مبحث الباطوس. وهذا الأمر مفهوم إذ أن المسألة هي في النهاية إقناع المتلقي بأطروحة ما. إن تحديد البلاغة نفسها ينطوي على إعلاء من شأن هذا العنصر. إننا نكرس كل الأدوات لأجل الوصول إلى هذه الغاية التي هي تغيير حال المتلقي ودفعه في اتجاه تبني موقف ما. وربما إلى تطبيقه. بهذا يتضح أن هذا العنصر لا يمكن أن يقارن بأي عنصر من العناصر الأخرى إذ أنها كلها تصب فيه. والأهم من هذا وذاك أن البلاغة تطمح إلى إنجاز وظائف ثلاثة وهي الإفادة والإمتاع والتأثير. تتمثل الإفادة في شيئين اثنين: أولهما يتمثل في تلقي كل المعلومات المتعلقة بملف قضية ما. هنا نلتقي في الحقيقة بالمادة الخام للأحداث كما يتصور أنها قد وقعت. والواقع أن الخطاب يوجه هنا إلى العقل. ويطلب من هذا السرد أن يكون موضوعيا وصادقا. وثانيهما يتمثل في ما نضيفه إلى هذه المادة الخام من الحجج ووسائل الإقناع. ويتمثل الإمتاع في نفي كل عناصر الملل عن المتلقي. ذلك الملل الذي يمكن أن يتسبب فيه ثقل المادة المحكية وجفاف الحجج المخاطبة للعقل. إن تعاطف الجمهور مع الخطيب ومع موضوع الخطابة يحصل بواسطة رابط عاطفي متصل بموضوع الخطابة بين الخطيب والجمهور. إن كسب عطف الجمهور يكتسب أهمية بالغة في مقدمة الخطابة وفي نهايتها. ففي البداية يسعى الخطيب إلى جذب انتباه المتلقي باخراجه من حالة عدم الاكتراث وفي الخاتمة يسعى الخطيب إلى الدفع بالمتلقي في اتجاه تبني موقفه وترجمته إلى فعل وممارسة. إذا جاز لنا أن ندعي أننا قد استنفدنا مباحث البلاغة التي هي الباث والمتلقي والنص، فإن البلاغة في هذه الحدود تنفتح على مجال خصب وهو مجال بناء النص والصياغة اللغوية أي الأسلوب. ولعل الخوض في هذا المجال يتطلب حيزا أعرض مما نتوفر عليه هنا الآن .وتلك قصة أخرى. الهوامش 1- Aristote, Rhétorique , livre de poche , 1991 , p. 93 2- Michel Meyer , Questions de rhétorique , livre de poche , 1993 , p. 23 3- Olivier Reboul , Introduction à la rhétorique , P U F , 1991 , p. 7 4- L'empire rhétorique , ed , Vrin. 1977, p . 15 5- Meyer , M , op. cit. p 14 6- المرجع السابق، ص. 5 7- شايم بيرلمان، المرجع السابق، ص ص. 16-17 8- De la métaphysique à la rhétorique, Ed.Université de Bruxelles, 1986 p. 116 9 -الخطابة ت. ع . بدوي، دارالشؤون الثقافية، بغداد، 1986، ص. 29 10- كولوبارتيس المرجع السابق ص 107 11- Rhétorique , p. 83 12- نفسه، ص. 85 13- نفسه، ص. 76 14- Heinrich Lausberg, Elementos de retorica literaria, Ed. Gredos, Madrid, 1975, pp.37-38 15- Michel Patillon: Eléments de rhétorique classique, Nathan, 1990, pp.37 -38 16- Rhétorique p 85 17-Emetteur, message, récepteur: les trois facteurs de la persuaion, in sciences humaines, n! 38, avril 1994, p .20 مجلة عــلامات العدد 5 - 1996 ضمن العدد المحتــوى الافتتاحيـة قراءة في رواية شجرة الخلاطـة: د. حميد الحميدانـي القناع بين المقدس والمتخيل المسرحي: حسن يوسفـي عن انتحار جيل دولـوز: إدريس آيت الزمزامـي المرأة والأفعـى والشيطان: إدريس جبـري محـور العـدد: بلاغة اللفظ والصـورة الشعرية العربية: تاريخ موجـز: جمال الدين بن الشيخ - ترجمة: ح. مبارك، م. الولي، أ. أوراغ الهزلي والشعـري: جان كوهـن، ترجمة: محمد العمـري بلاغـة الحجـاج: محمد الولـي الصـورة الثابتـة: غي غوتيي، ترجمة: عبد العلي اليزمي - سعيد بنگـراد الإرسالية الإشهارية: سعيد بنگـراد نظرة حول الفوتوغرافيا بالمغرب: عبد الكريم الشيگـر الصورة والذات والمعنى: عبد الرحيم كمـال مشهد من الأرض المشـاع: كمال بلاطة، ترجمة: خالد التوزاني الصورة: جوديت لازال، ترجمة: حميد سـلاسي من موقع سعيد بنكراد

  • النظرية الخليليــــة الحديـــثة عند عبد الرحمن الحاج صالح

    ==================== "النظرية الخليليــــة الحديـــثة" عند عبد الرحمن الحاج صالح ==================== ترتیب: مقدمة محطات في حياة العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" النظرية الخليلية الحديثة مشروع الذخيرة اللغوية العربية مقدمة: تقول النظرية الفلكية: إن ما نراه في السماء من نقاط مضيئة في الليل البهيم ونحسبها نجوما، إنما هي مواقع لنجوم غادرت أماكنها منذ أمد بعيد، وبقيت أماكنها مضيئة متلألئة لملايين السنين، والنظرية نفسها يمكنها أن تصلح للتعبير عن العلماء الذين يغادرون الحياة الدنيا جسدا وروحا، ولكنهم يخلفون وراءهم آثارا تشع بنور إبداعاتهم، وتورث العلم، والأدب للأجيال من بعدهم. لقد غادرنا إلى جوار ربه بتاريخ: 05/03/2017 قامة من القامات العلمية المغاربية، والعربية التي شهد لها المحفل العلمي العالمي، والعربي الإسلامي بالتميز، والنشاط، والتجديد في ميدان اللسانيات؛ إنه العلامة البروفيسور اللغوي الجزائري "عبد الرحمن الحاج صالح" رئيس المجمع الجزائري للغة العربية. وانطلاقا من المكانة العلمية الرائدة لهذه القامة العلمية العربية يكون من واجبنا نحن كمثقفين أولا، وأكاديميين ثانيا أن نترحم على روح هذه الشخصية العلمية ببيان محطات هامة في حياته، وتثمين إسهاماته العلمية التي ستبقى خالدة في التاريخ. 1. محطات في حياة العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح”: ولد عبد الرحمن الحاج صالح بمدينة وهران في 08 جويلية 1927م، وهو من عائلة نزحت من قلعة بني راشد المشهورة إلى وهران في بداية القرن التاسع عشر، تلقى تعليما مزدوجا باللغتين الفرنسية في المدارس الحكومية الفرنسية، واللغة العربية في إحدى المدارس الحرة الجزائرية التي أنشأتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. بدأت علاقة العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" باللغة العربية عام 1954 عندما سافر إلى مصر لمواصلة دراسته، أين وجدت في البيئة المصرية مناخا مناسبا للاقتراب من اللغة العربية، فراح يتردد على جامع الأزهر الشريف، ويحضر بعض دروس اللغة العربية، أين اكتشف ذاته من جديد، وتعرف على تراث لغته العربية، فصرف اهتمامه إلى الدراسات اللغوية المعاصرة، وهناك اكتشف أهمية التراث العلمي اللغوي العربي من خلال ما اطلع عليه من كتب لغوية تراثية، واتضح له الفرق الكبير بين وجهات النظر الخاصة بالنحاة العرب الأقدمين، وما يقوله المتأخرون منهم، وكان هذا دافعًا مهمًّا في حياته العلمية، ويبدو أن انخراطه في حزب الشعب الجزائري وهو في عمر 15 سنة. ثم التحاقه بثورة أول نوفمبر الخالدة كان من بين الأسباب التي ربطته إلى تراثه العربي الإسلامي الذي كان منهلا استقى منه معارفه، وموردا غذى رصيده اللغوي الذي طوره بعد ذلك في نظريته اللسانية. ولكن الظروف حالت دون إتمام العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح ” دراسته في مصر، فسافر مرة أخرى إلى فرنسا، وانتسب إلى جامعة بوردو (BORDEAUX)، ثم نزل بعدها بالمملكة المغربية الشقيقة، والتحق هناك بثانوية “مولاي يوسف” في الرباط كأستاذ للغة العربية، واغتنم الفرصة لمواصلة دراسة فتحصل على شهادة التبريز في اللغة العربية، وتكرّم عليه الإخوة هناك في المملكة المغربية فأوكلوا إليه تدريس اللسانيات في كلية الآداب بالرباط باللغة العربية في 1960، وكان هذا الاختصاص يدرس أول مرة في المغرب العربي. وبعد الاستقلال عاد العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح” إلى أرض الوطن، وعُين أستاذًا في جامعة الجزائر، التي صار بها رئيسًا لقسم اللغة العربية، وقسم اللسانيات سنة 1964، ثم انتخب عميدًا لكلية الآداب، وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية عام 1968، وفي السنة نفسها كان يمثل الجزائر والعرب كأستاذ زائر بجامعة فلوريدا (Florida) بالولايات المتحدة الأمريكية أين التقى بالعالم اللساني آنذاك الأمريكي نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، وكان بينهما حراك علمي ترجم في مناظرة حول المسائل اللسانية. كان البحث العلمي الشغل الشاغل للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" الذي تفرغ للدراسة، والبحث في علوم اللسان بعدما دعا اللسانيين، والباحثين في العالم العربي إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي بمنظار علمي بعيد عن التعسف، والاستنطاق، والاعتباط في التأويل. وكانت الفترة التي شغل فيها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزيرا للتربية والتعليم في الجزائر آنذاك أهم مرحلة في تاريخه العلمي، أين مكنه الوزير من إنشاء معهد كبير للعلوم اللسانية، والصوتية، وجهزه بأحدث الأجهزة، وأوكل إليه تأسيس مجلة اللسانيات. وكان معهد العلوم اللسانية والصوتية المختبر الذي سمح للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" بالكشف عن "النظرية الخليلية الحديثة"، التي طرحها في رسالته العلمية التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من جامعة السوربون (Sorbonne) بفرنسا عام 1979. عُيِّن العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" عضوًا في مجمع دمشق عام 1978، ومجمع بغداد عام 1980، ومجمع عمّان عام 1984، وعضوًا مراسلاً بمجمع القاهرة عام 1988، ثم انتخب عضوًا عاملاً به سنة 2003م في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي، وهو عضو في عدة مجالس علمية دولية وعضو أيضًا في لجنة تحرير المجلة الألمانية التي تصدر ببرلين، وله 71 بحثًا ودراسة نشرت في مختلف المجلات العلمية المتخصصة (بالعربية، والفرنسية، والإنجليزية) مما رشحه إلى الحصول على عدة جوائز تشجيعية تقديرا لنشاطه العلمي في الجزائر وخارجها، وكان أبرزها جائزة الملك فيصل للّغة العربيّة والأدب سنة 2010 تقديرا لجهوده العلمية المتميزة في تحليله النظرية الخليلية وعلاقتها بالدّراسات اللسانية المعاصرة، ودفاعه عن أصالة النحو العربي، وإجرائه مقارنات علمية بين التراث ومختلف النظريات في هذا الموضوع، بالإضافة إلى مشاركاته في الدراسات اللسانية بحثا، وتقويما، وتعليما. 2. النظرية الخليلية الحديثة: تقوم النظرية الخليلية الحديثة للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" على تعريف الدارسين بخصائص علوم اللسان العربي، ومضامينه النوعية انطلاقا من مقولات اللسانيات الحديثة. وقد أثبتت هذه النظرية أهمية قراءة التراث العربي الذي يمثل مستخلصات ثمانية قرون أو تزيد من مخاض التفكير اللغوي عند العرب في ضوء النظريات اللسانية الحديثة، وهذا يعني أن المفاهيم النظرية الأساسية للنظرية الخليلية الحديثة اتجهت إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي الأصيل، والبحث في خفاياه، ليس انتصارا للقديم، ولا هدما للحديث في ذاته، ولكن بغية التنبيه إلى الطفرة التلقائية المفاجئة التي أحدثها “سيبويه”، وشيوخه، وتلاميذه في تاريخ علوم اللسان البشري بعد أن تحامل عليهم كثير من الدارسين المحدثين الذي تأثروا بالمناهج الغربية الحديثة، ونظروا إلى النحو والصرف العربيين بمنظار قاصر بدعوى أنهما "معياريان"، وأنهما بعيدان عن التصور العلمي للغة، وكان العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" قد فند في أحد محاضراته فكرة انتصاره للقديم، عندما سُئل: هل أنتم من المحافظين؟ فأجاب: ”لست محافظا ولا مجددا، ولكن أبحث عن المفيد. اكتشفنا في القديم شيئا عظيما لم نجده في الحديث، ولو اكتشفناه في الحديث لأخذنا به". لقد سعت النظرية الخليلية منذ ظهورها إلى بعث الجديد عبر إحياء المكتسب، فتجاوزت بذلك مرحلة الاقتباس السلبي عند نقلها عن الغرب، أو عند نشرها عن العرب ، وبنت قراءتها للتراث وتأصيل أفكاره علميا، بعيدا عن العاطفة على أساسيين، أولهما: أن التراث العربي لا يفسره إلا التراث العربي، فكتاب “سيبويه” على سبيل المثال لا يفسره إلا كتاب “سيبويه”؛ لأنه من المحال أن نُسقط على التراث مفاهيم، وتصورات لا تأخذ في الحسبان خصوصياته. وثانيهما: أن التراث العربي في العلوم الإنسانية عامة، واللغوية خاصة ليس طبقة واحدة من حيث الأصالة والإبداع. كما تعلقت النظرية الخليلية الحديثة للعلامة “عبد الرحمن الحاج صالح” بالتراث العلمي اللغوي الأصيل الذي خلفه أولئك العلماء العرب المبدعون الذين عايشوا الفصاحة اللغوية الأولى، وشافهوا فصحاء العرب، وجمعوا اللغة، ودونوها خدمة للنص القرآني المقدس الذي كان يحتاج إلى الفهم، والتفسير، والتعليل في ضوء اللغة العربية النقية. إن المتأمل في التراث اللغوي العربي يشهد بوضوح اهتمام العلماء العرب القدامى في تحليلهم للظاهرة اللغوية على مفاهيم، ومبادئ لغوية كان لها دورها العظيم في تفسير العلاقات المعقدة المجردة الكامنة وراء اللغة، وكان لها أثرها في تطوير المفاهيم حول الظواهر اللغوية؛ لأنه « من الغريب جدا أن تكون هذه الأعمال [ اللغوية ] التي لا تضاهيها إلا ما أبدعه العلماء الغربيون في أحدث أعمالهم، مجهولة تماما في كنهها، وجوهرها عند كثير من الدارسين، والاختصاصيين المعاصرين » . 3. مشروع الذخيرة اللغوية العربية: يعد العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" واحد من أهم الباحثين العرب الذي دعوا إلى تبني المنهج البنيوي من خلال مشروع الذخيرة اللغوية العربية عن طريق البرمجة الحاسوبية، وإنشاء جوجل عربي أو البنك الآلي العربي. ويعتمد مشروع الذخيرة على وسائل التكنولوجيا الحديثة (الحاسوب، شبكة الإنترنيت..)، بحيث يتم تخزين، وحيازة الكتب، والمؤلفات العربية القديمة، والحديثة التي لها صلة بالتراث اللغوي العربي بواسطة الحواسيب، وبعد ربطها بمحرك بحث يتم وضعها تحت تصرف كل باحث، ومتطلع عبر موقع في الإنترنيت، وكانت أول فرصة عرض فيها فكرته في مؤتمر التعريب الذي انعقد بالعاصمة عمان سنة 1986. فأوضح أهمية المشروع في البحوث اللغوية والعلمية، خاصة على مستوى توحيد المصطلحات، ورصد المفاهيم، واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة. وقد عرضت الجزائر "مشروع الذخيرة اللغوية العربية" على المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم في ديسمبر 1988 فوافق أعضاؤه على تبنيه في حدود إمكانيات المنظمة، ونظمت جامعة الجزائر مع المنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم في ماي 1991 أول ندوة للمشروع شارك فيها بعض ممثلي الهيئات العلمية العربية، وخرجوا بتوصيات تخص تنظيم العمل، وكيفية المشاركة، ورصد هيئات المتابعة، ومنه تقرر تنظيم ندوة ثانية تجتمع فيها المؤسسات الراغبة في إنجاز المشروع، وتقرر أن يستضيف الندوة مركز البحوث والدراسات العلمية بدمشق سنة 1995. ولكن ذلك لم يحصل، ثم كانت هناك عدة اجتماعات، وندوات، وملتقيات لحصر الأطراف المشاركة أو كيفية مشاركتها أو إقناع بعض الهيئات لتبني المشروع، ومن أهم تلك الندوات هي: الندوة الدولية حول حوسبة الذخيرة اللغوية العربية المنعقدة بالجزائر من 03 إلى 05 نوفمبر 2001، والتي شارك فيها عدة باحثين ودارسين عرب من الجزائر، تونس، المغرب، مصر، الأردن، والكويت، والتي دارت محاورها حول أهمية المشروع، وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة لخدمة المشروع، وتطويعها من أجله، من أجل فعالية أكثر"، ومن حسن حظ المشروع أن تبناه المجمع الجزائري للغة العربية، فنظم المجمع بالمشاركة الجزئية لجامعة الجزائر ندوة تأسيسية انعقدت في الجزائر بين 26 و27 ديسمبر، وجمعت تسع دول عربية، وكان آخر اجتماع في السودان بجامعة الخرطوم سنة 2002 أين تقرر أن يقدم اقتراح إلى جامعة الدول العربية للتكفل بالمشروع، وفيه تمت تسمية المشروع بـ:”مشروع الذخيرة العربية" بعد أن كان يسمى بـ: “مشروع الذخيرة اللغوية العربية". فالمشروع وإن كان في أصله لغويا إلا أنه يتجاوز الجانب اللغوي لشموليته، والمشروع لا ينظر إلى اللغة العربية وآدابها فقط ولا إلى العلوم اللسانية وحدها، وإنما ينظر إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، والعلوم الأساسية، والتكنولوجيا؛ لأن اللغة هي وسيلة الباحث في العلوم. وفي 14 سبتمبر2004 تبنى المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية المشروع بالإجماع، والذي يقوم على أن تكون هناك لجنة قُطرية أو وطنية في كل بلد يترأسها المسؤول المحلي للمشروع (ترشحه حكومته، أو يعينه الأمين العام لجامعة الدول العربية)، وكل واحد من هؤلاء يمثل دولته في الهيئة العليا للمشروع، ويعد المسؤول عن متابعة المشروع في بلده، والتنسيق، والتخطيط في الهيئة العليا، وكل دولة تشكل خلايا الحيازة، والمتابعة، والبحث (كل خلية متكونة من 03 إلى 10 أفراد يشرف عليهم دكتور، ويضاف إليهم مشرف تقني برتبة مهندس حاسوبي)، هذه الخلايا تقوم بمهام حيازة الإرث الضخم من التراث اللغوي العربي وفق برنامج محدد لكل دولة من طرف الهيئة العليا للمشروع، وأن يكون مقر الهيئة العليا للمشروع بمقر المجمع الجزائري للغة العربية، وقد وافقت 18 دولة وقدمت مرشحيها إلى غاية 12 أفريل 2006، وفي27-28 جوان 2009، وتم تنظيم اجتماع بالجزائر ضم ممثلي جل الدول العربية، وهيئة جامعة الدول العربية من أجل تبنيها للمشروع بشكل رسمي نظرا لأهميته العلمية، والفكرية، والحضارية، وعين العلامة عبد الرحمن الحاج صالح رئيسا للمشروع. ============================ فرحم الله أستاذنا الدكتور: عبد الرحمان الحاج صالح وجزاه عنا وعن العربية كل خير. ============================ د. عادل بوديار: نقد معاصر، جامعة العربي التبسي { بتعديل بسيط مسَّ تحيين الموضوع} Naqil: Khaiyam Khalid: https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/

  • الصوت والدلالة دراسة في ضوء التراث وعلم اللغة الحديث) | التبديل والتنوين والنبر في الصوت الدلالة

    الصوت والدلالة دراسة في ضوء التراث وعلم اللغة الحديث) | التبديل والتنوين والنبر في الصوت الدلالة ـــ الدكتور محمد بو عمامة ترتيب: التبديل: Substitution التنوين Nounation النبر Accent هوامش إن اللغة ظاهرة صوتية تختلف اختلافاً كلياً عن سائر الرموز الأخرى غير اللغوية، ومن ثم فإن دراستها دراسة علمية تستوجب البدء بالأصوات بوصفها وحدات مميزة تنتج عنها آلاف الكلمات ذات الدلالات المختلفة.‏ وتجدر الإشارة إلى أن ما نود الحديث عنه في هذا السياق هو القيمة الدلالية للصوت أي الفونيم)، على أساس أن الفونيمات تلعب دوراً فعالاً في تحديد دلالات الكلمات.(1)‏ والفونيم كما يعرفه بعض اللغويين هو صوت نموذجي يحاول المتكلم تقليده. كما يعرفه بعضهم بأنه أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني. والفونيم نوعان: قطعي Segmental، وفوقطعي Suprasgmental. ويشمل النوع الأول الصوامت والصوائت، وأما النوع الثاني فيشمل النبرات والأنغام والفواصل…)).(2)‏ إذن، النوع الأول من الفونيمات يشمل الحروف والحركات، والنوع الثاني يشمل النبر والتنغيم،وهذا ما سنركز عليه في تحليلنا هنا، مع عرض قضايا صوتية أخرى ستأتي في حينها.‏ وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن مسألة القيمة الدلالية للصوت مسألة قديمة قدم التفكير اللغوي، غير أن خير من فصل القول فيها- في تقديرنا- هم علماء العربية الذين كانت لهم في ذلك لفتات طريفة، ونظرات بارعة تنم على حسهم المرهف، وذوقهم الموسيقي السليم. وتتمثل القيمة الدلالية للصوت في الجوانب الآتية:‏ أ- التبديل: Substitution‏ نود أن نشير-بادئ ذي بدء- إلى أن التبديل الذي نريد الحديث عنه هنا ليس هو الإبدال بمفهوم القدماء، والذي يعني إقامة حرف مكان حرف آخر في كلمة واحدة والمعنى واحد، والذي يكون في الغالب الأعم إما ضرورة وإما صنعة واستحسانا، ويقابله في اللسانيات الحديثة مصطلح‏ Mutation، بل نعني بالتبديل إحلال صوت مكان صوت آخر بحيث يؤدي ذلك إلى حدوث تغير في دلالة الكلمة، وهذا النوع نجده بكثرة في مؤلفات اللغويين القدماء على الرغم من أنهم لم يشيروا إلى ذلك بتصريح العبارة. ويعد ابن جني)) واحداً من العلماء الذين اشتهروا بالبحث في الأصوات ودورها في تحديد دلالات الكلمات، وذلك نتيجة تعامله المستمر مع هذه الأصوات التي طبعت في ذهنه دلالات مختلفة.‏ فلقد أدرك بعبقريته الفذة أن للفونيمات دوراً كبيرا في تحديد دلالة الكلمات، ناهيك عن أن إبدال الصوامت ينتج عنه تغير في الدلالات، وإن كان ابن جني لم يشر إلى ذلك بصريح العبارة، إلا أن في كلامه ما يوحي بذلك. يقول في كتابه الخصائص)):‏ فأما مقابلة الألفاظ بما يشاكل أصواتها من الأحداث فباب عظيم واسع، ونهج متلئب عند عارفيه مأموم، وذلك أنهم كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها، فيعدلونها بها ويحتذون عليها. وذلك أكثر مما نقدره، وأضعاف ما نستشعره.‏ من ذلك قولهم: خضم، وقضم، فالخضم لأكل الرطب، كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب، والقضم للصلب اليابس، نحو: قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك.. فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب، والقاف لصلابتها لليابس، حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث.‏ ومن ذلك قولهم: النضح للماء ونحوه، والنضح أقوى من النضح، قال الله سبحانه: فيهما عينان نضاختان).(3) . فجعلوا الحاء-لرقتها- للماء الضعيف، والخاء-لغلظها- لما هو أقوى منه)).(4)‏ إذن، لقد أدرك ابن جني بحسه المرهف أن الفونيمات تلعب دوراً هاماً في الدلالة، وأن الإبدال الذي يحصل بينها يولد دلالة جديدة. ونلاحظ ذلك في: خضم وقضم، ونضح ونضخ. فالخاء في المثال الأول تدل على الرخاوة، وبالتالي جاء الفعل خضم)) للدلالة على أكل الرطب، والقاف تدل على الشدة ومن ثم جاء الفعل قضم)) للدلالة على أكل اليابس. والشيء نفسه ينسحب على المثال الثاني، فالحاء لرقتها جعلت من الفعل نضح)) يدل على تسرب السائل في تأن وبطء، والخاء لغلظها جعلت من الفعل نضخ)) يدل على فوران السائل في قوة وعنف.‏ ويعزز ابن جني رأيه هذا بقوله: ومن ذلك القد طولا، والقط عرضا. وذلك أن الطاء أحصر للصوت وأسرع قطعا له من الدال. فجعلوا الطاء المناجزة لقطع العرض لقربه وسرعته، والدال المماطلة لما طال من الأثر وهو قطعه طولا)).(5)‏ ومن ذلك أيضاً قوله في المحتسب)): القبض بالضاد معجمة باليد كلها، وبالصاد غير معجمة بأطراف الأصابع. وذلك أن الضاد لتفشيها واستطالة مخرجها جعلت عبارة عن الأكثر، والصاد لصفائها وانحصار مخرجها وضيق محلها جعلت عبارة عن الأقل)).(6)‏ ويورد ابن جني أمثلة كثيرة من هذا القبيل تدعم رأيه هذا، حرصاً منه على اكتشاف المجهول من أسرار اللغة، وإماطة الغطاء عن الحقائق المستورة والعلل الخفية من خصائصها، وهذا كله عن طريق التأمل، وترديد الفكر، وكد النظر.‏ كما نظر ابن جني في الصوائت الحركات) ووجد أنها تلعب هي الأخرى الدور نفسه الذي تلعبه الصوامت، وأن إبدال الصوائت Apophonie يلعب هو الآخر دوراً مهماً في أداء دلالات مختلفة. فمن ذلك قوله: الذّل في الدابة ضد الصعوبة، والذّل للإنسان وهو ضد العز، وكأنهم اختاروا للفصل بينهما الضمة للإنسان، والكسرة للدابة، لأن ما يلحق الإنسان أكبر قدراً مما يلحق الدَّابة)).(7)‏ وبنظرته الفاحصة هذه يكون ابن جني قد حاز شرف السبق إلى مثل هذا التحليل، متقدماً بذلك جميع علماء اللغة المحدثين. فهذا الفيلسوف الهولندي بوص)) Pos يذهب إلى ما ذهب إليه ابن جني بخصوص القيمة الدلالية للصوت الفونيم). فهو يرى أن الانتقال من الفونيم الذي يدل على نفسه بنفسه إلى الكلمة التي تدل على شيء آخر لا يعد انتقالاً كبيراً، وبخاصة إذا وضع الإنسان في اعتباره-ولأول مرة- أن الكلمات تتألف من فونيمات، وأن المعاني الناتجة عن وضع الكلمات في تراكيب معينة تختلف اختلافاً جذرياً عن معاني الكلمات وهي مفردة)).(8)‏ فالذي يعنيه بوص)) بكلامه هذا هو أن الفونيم هو الذي يوحي بدلالة الكلمة، كما أن هذه الأخيرة هي التي توحي بدلالة الجملة.‏ كما نجد أن نظرة ابن جني هذه قد سبقت نظرة اللغوي الإنجليزي الشهير فيرث)) Firth الذي تحدث عما أسماه الوظيفة الفوناستيتيكية))، Phonaesthetic Function، ويعني بذلك تلك العلاقة القائمة بين الكلمات التي تبدأ بحرفين، مثل: ST أو SN أو SL وذلك في مثل: (9)‏ Stack: كومة، ركام، مقدار معين.‏ Stick: عصا، عود، قضيب.‏ Stub: أصل الشجرة الباقي بعد قطع جذعها.‏ Stud: خشبة تسمر عليها الألواح المستخدمة في تشييد جدران المنازل.‏ Slim: ينحل، يهزل… الخ.‏ Slit : يلوز، يضيق… الخ.‏ قلت، يذهب فيرث)) إلى أن الكلمات التي تبدأ بحرفي ST أو SN أو SL تنتمي كل مجموعة منها إلى معنى عام. وهي نظرة نجدها كذلك عند ابن جني حين قال:‏ واستعملوا تركيب ج ب ل) وج ب ن) و ج ب ر) لتقاربها في موضع واحد، وهو الالتئام والتماسك. منه: الجبل لقوته وتماسكه، وجبن إذا استمسك وتوقف وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه إذا قويته)).(10)‏ وإذا أمعنا النظر في هذه الكلمات فإننا سنجد ما يلي:‏ في أمثلة فيرث)) نلاحظ أنه حصل في الفئة أ)) إبدال بين الصائتين Voyelles "a" و"I" وفي الفئة ب)) حصل إبدال بين الصامتين Consonnes "b" و"d"، وفي الفئة ج)) حصل إبدال بين الصامتين "m" و"t".‏ الشيء نفسه يصدق على أمثلة ابن جني، فلقد حصل إبدال بين حروف اللام والنون والراء، مع الاحتفاظ بالجذر ج ب). وفي كل هذه الأحوال تنتج دلالات جديدة كلما أبدل صائت بصائت أو صامت بصامت.‏ ومن علماء العربية الذين أدركوا هذه الظاهرة الصوتية العالم اللغوي ابن فارس)) في معجمه مقاييس اللغة)). فهو يورد كمّا كبيراً من الكلمات التي حصل فيها مثل هذا الإبدال، فأدى كل صامت دلالة تختلف عن الدلالة التي أداها صامت آخر، ومن هذه الأمثلة ما يلي:(11) .‏ فر: الفاء والراء يدلان على معان ثلاثة. الأول: الانكشاف، في قولهم: فرّ عن أسنانه إذا تبسم أي كشف عنها). والثاني: جنس من الحيوان في مثل: الفرير وهو ولد البقرة. والثالث: الخفة والطيش. يقال: رجل فرفار بمعنى طائش.‏ فز: يدل على الخفة.‏ فش: يدل على الانتشار وقلة التماسك.‏ فض: يدل على التفريق والتجزئة.‏ فظ: يدل على الكراهة.‏ فغ: يدل على محاكاة الصوت. يقولون: الفغفغة.‏ كما أورد ابن فارس في مقاييسه جملة من الألفاظ الأخرى التي تتألف من مادة واحدة وهي الفاء والراء ف. ر) وفونيم ثالث يغير معنى هذه المادة كلما حصل إبدال، ومن هذه الألفاظ:(12)‏ فرز، فرس، فرش، فرص، فرض، فرط، فرع، فرغ، فرق، فرك، فرم، فره، فري، فرت، فرث، فرج، فرح، فرخ، فرد، الخ… وكذلك مادة ق. ط) مع فونيم ثالث، في مثل: قطع، قطف، قطل، قطم، قطن، قطو، قطب، الخ…(13) .‏ ومن العلماء الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة كذلك: ابن دريد)) والثعالبي)) والفارابي)). وقد أورد السيوطي في المزهر)) كماً كبيراً من الألفاظ التي أتى بها هؤلاء، وكلها تدور في فلك الإبدال وما تلعبه الفونيمات المبدلة من أدوار في تغيير دلالات الكلمات، ومن هذه الألفاظ:(14)‏ الجَمْجَمة: أن يخفي الرجل في صدره شيئاً ولا يبديه.‏ الحَمْحَمة: أن يردد الفرس صوته ولا يصهل.‏ الدحداح: الرجل القصير.‏ الرحراح: الإناء القصير الواسع.‏ الجَفْجَفة: هزيز الموكب وحفيفه في السير.‏ الحَفْحفة: حفيف جناحي الطائر.‏ الجرجرة: صوت جرع الماء في جوف الشارب‏ الخرخرة: صوت تردد النفس في الصدر.‏ الكهكهة: صوت ترديد البعير هديره.‏ القهقهة: حكاية استغراب الضحك.‏ الوعوعة: صوت نباح الكلب إذا ردده.‏ الوقوقة: اختلاط أصوات الطير.‏ الوكوكة: هديل الحمام.‏ الجف: وعاء الطلعة إذا جف.‏ الخف: الملبوس.‏ الشازب: الضامر من الإبر وغيرها.‏ الشاصب: أشد ضمراً من الشازب.‏ ومن ذلك أيضاً:‏ النقش في الحائط.‏ الرقش في القرطاس.‏ الوشم في اليد.‏ الوسم في الجلد.‏ - الضرب على مقدم الرأس صقعٌ‏ - وعلى القفا صفعٌ‏ - وعلى الخد ببسط الكف لطمٌ‏ - وبقبض الكف لكمٌ‏ - وبكلتا اليدين لدمٌ‏ - وعلى الجنب بالإصبع وخزٌ‏ - وعلى الصدر والجنب وكز ولكزٌ‏ - وعلى الحنك والذقن وهز ولهزٌ‏ ويقال أيضاً:‏ - خذفه بالحصى‏ - حذفه بالعصا‏ - قذفه بالحجر‏ ومنه أيضاً:‏ - إذا أخرج المريض صوتاً رقيقاً فهو: الرنين‏ - فإذا أخفاه فهو: الهنين‏ - فإذا أظهره فخرج خافتاً فهو: الحنين‏ - فإذا زاد فيه فهو: الأنين‏ - فإذا زاد في دفعه فهو: الخنين‏ ولقد كان لعلماء اللغة العرب المحدثين آراء متباينة بخصوص هذه القضية. فلقد انطلقوا من فكرة المناسبة الطبيعية بين الألفاظ ومعانيها))، وحصروا أنفسهم داخل هذه القضية، لينتهوا في الأخير إما إلى إنكار هذه المناسبة الطبيعية، وأما إلى الإقرار بها عن اقتناع كامل.‏ ولعل السيوطي هو الذي صرح بفكرة المناسبة هذه، وذلك عندما علق على الألفاظ التي أوردها في مزهره في باب مناسبة الألفاظ للمعاني)) قائلاً: فانظر إلى بديع مناسبة الألفاظ لمعانيها، وكيف فاوتت العرب في هذه الألفاظ المقترنة المتقاربة في المعاني، فجعلت الحرف الأضعف فيها والألين والأخفى والأسهل والأهمس لما هو أدنى وأقل وأخف عملاً أو صوتاً، وجعلت الحرف الأقوى والأشد والأظهر والأجهر لما هو أقوى عملاً وأعظم حساً…)).(15)‏ أقول إن السيوطي هو الذي صرح بفكرة المناسبة هذه، وذلك بعدما جمع مادته من مؤلفات سابقيه كسيبويه، وابن جني، والثعالبي، وابن دريد، ثم تابعه علماء عرب محدثون في هذه القضية، إلى أن انتهى أحدهم-وهو الدكتور إبراهيم أنيس- إلى وصف ما قاله ابن جني والثعالبي بتخيلات وتأملات تشبه أحلام اليقظة، وذلك في قوله: وهكذا نرى أن ابن جني كان ممن يؤمنون إيماناً قوياً بوجود الرابطة العقلية المنطقية بين الأصوات والمدلولات أو ما يسميه بعض المحدثين بالرمزية الصوتية، بل لقد غالى ابن جني في هذا ومعه الثعالبي صاحب فقه اللغة إذ جعل مجرد الاشتراك في أصلين فقط من الأصول الثلاثية دليلاً على الاشتراك في معنى عام لبعض الكلمات، فيقرر أن المعنى العام للتفرقة يكون بين صوتي الفاء والراء، والمعنى العام للقطع يكون بالقاف والطاء، إلى غير ذلك من تخيلات وتأملات تشبه أحلام اليقظة عند رجل اشتد ولعه باللغة العربية فتصور فيها ما ليس فيها، وأضفى عليها من مظاهر السحر ما لا يصح في الأذهان ولا تتصف به لغة من لغات البشر)).(16)‏ ويستمر الدكتور إبراهيم أنيس في إصراره على أن هؤلاء العلماء قد اشتد ولعهم بالبحث في المناسبة الطبيعية بين الألفاظ ومعانيها، لينتهي في الأخير إلى إنكار هذه القضية.‏ الواقع أن ما ذهب إليه الدكتور أنيس لا يعد بدعاً في الدرس اللغوي الحديث، بل سبقه إلى ذلك علماء لهم قدرهم في مجال البحث اللغوي. فهذا سوسير)) رائد علم اللغة الحديث يتحدث عما يسمى باعتباطية العلامة اللغوية L,arbitraire du signe linguisique، ويذهب إلى أن العلاقة بين الدال والمدلول علاقة اعتباطية، ويضرب لذلك مثلاً بكلمة Soeur، ويرى أنه لا توجد أية رابطة بين الفونيمات S.O.R وبين مدلولها، بل أنه يمكننا أن نعبر عن هذا المدلول بأي تتابع صوتي آخر مشابه، هذا بالإضافة إلى أن جميع لغات العالم تستعمل في التعبير عن هذا المفهوم كلمات تختلف اختلافاً جذرياً.(17)‏ وإذا كان الدكتور إبراهيم أنيس قد ذهب مذهب كثير من علماء اللغة الغربيين في رفض مثل هذه المناسبة الطبيعية، فإن محمد المبارك من الذين ناصروا هذه القضية ودافعوا عنها دفاعاً شديداً. ولقد خصص في كتابه فقه اللغة وخصائص العربية)) مبحثين خص بهما: القيمة التعبيرية للحرف الواحد في اللغة العربية، والوظيفة البيانية والقيمة التعبيرية للحروف في اللغة العربية. فهو بعد أن يستعرض كثيراً من أقوال ابن جني وغيره، يخلص إلى القول بأن ثمة أمثلة كثيرة في العربية تدل على التناسب الصوتي والتقابل الموسيقي في تركيب الكلمات وحروفها، ولكن هذه الملاحظات والأمثلة التي أوردها بعض اللغويين قديماً وحديثاً لا تكفي لإقامة نظرة عامة واستنباط قانون عام قبل توسيع أفق الملاحظة والاستقراء، وهي على كل حال تدل على ما في اللغة العربية من الخصائص الموسيقية في تركيب كلماتها، وعلى ما بينها وبين الطبيعة من تقابل صوتي وتوافق في الجرس، وذلك أول دليل تقدمه لنا العربية من خاصتها الطبيعية وعلى أنها بنت الفطرة والطبيعة)).(18)‏ ونظرة الأستاذ محمد المبارك هذه قد سبقت هي الأخرى بنظرات علمية لغوية غربية، تؤيد هذه العلاقة وتناصرها. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر العالم اللغوي يسبرسن)) الذي يذهب إلى أن مثل هذه العلاقة ليست مطردة في جميع كلمات اللغة، وأن الكثير من هذه الكلمات التي تتمثل فيها هذه الظاهرة تزول منها مع مرور الزمن، وأن كلمات أخرى تكتسب هذه السمة ثم تزول منها، وهكذا…(19)‏ والحقيقة أن ما ذهب إليه علماء العربية-على نحو ما بيناه- لا يعني المناسبة الطبيعية فحسب- لأن هذه الظاهرة ليست مطردة بالشكل الذي يجعلنا نجزم بأنهم مولعون بها على حد تعبير الدكتور أنيس- إنما هم يتحدثون عن نظرية الفونيم بمفهومها الحديث، وهي أن الفونيم هو أصغر وحدة صوتية عن طريقها يمكن التفريق بين المعاني. فكثير من ألفاظ اللغة تتحد من حيث مكوناتها وتختلف في وحدة صوتية صغرى يتغير بموجبها معنى هذه الكلمات.‏ فابن جني-كما أوضحنا ذلك من قبل- يتحدث عن مراحل معينة في نظرية الفونيم، إنه يركز على الثنائيات الصوتية التي تختلف من ناحية المخرج أو الصفات، ويرى أن تقارب معنى الكلمتين يكون نتيجة تقارب الصوتين. ولكن هذا لا يعني أن الكلمتين تحملان معنى واحداً، بل إن لكل كلمة معنى مخالفاً، ونلاحظ ذلك في مثل: الخضم والقضم، والأز والهز، والعسف والأسف… إلى غير ذلك من الأمثلة.‏ أما مسألة محاكاة أصوات الطبيعة أو ما يعرف بالأنوماتوبيا Onomatopée وعلاقتها بمناسبة اللفظ للمعنى، فتلك قضية تتعلق بنشأة اللغة الإنسانية، وكان لعلماء العربية القدامى كما لعلماء اللغة المحدثين آراء ونظريات خاصة بهذا المجال.‏ ب-التنوين Nounation‏ من الظواهر التي تتميز بها اللغة العربية عن اللغات الأخرى ظاهرة التنوين، وهي ظاهرة ذات أثر كبير في علوم العربية كالنحو، والصرف، والعروض، والقراءات، ولذلك اهتم بها النحاة واللغويون في القديم والحديث، وأفردوا لها أقساماً خاصة.‏ والتنوين عبارة عن نون ساكنة تلحق آخر الاسم لفظاً لا كتابة. وهذا هو التعريف الذي اتفق عليه النحاة مع اختلافات لفظية بسيطة. أما علماء الأصوات فالتنوين عندهم عبارة عن حركة قصيرة بعدها نون (20) ، وهم يشيرون-بذلك- إلى أن مثل هذه الظاهرة أي الحركة والنون معاً) خاضعة لنظام المقاطع.‏ ولقد كان للمستشرق الألماني برجشتراسر)) Bergestrasser رأي آخر بخصوص ظاهرة التنوين هذه، فهو يرى أن التنوين أصله ميم كما كان في الأكدية والسبئية مثل بيت Baitun بيت Baitin، بيتا Baitan، أصلها بيتمُ Bitum، وبيتِم Bitam، وبيتَم Baitam وكلمة إن)) فإنها في العبرية im...)).(21)‏ وبعد أن يذكر كثيراً من الكلمات التي أصل التنوين فيها ميم، وبعد أن يستعرض كثيراً من آراء نحاة العربية ولغوييها، يخلص إلى القول بأن أكثر ضلالات النحويين واللغويين القدماء نشأ عن جهلهم باللغات السامية)).(22)‏ المهم هو أن التنوين الذي هو ظاهرة صوتية يلعب دوراً دلالياً فعالاً. فهو يقوم نحوياً بما نستطيع أن نسميه الاختزال التركيب)).(23) أي أنه يأتي بديلاً عن حرف، أو كلمة، أو جملة.‏ فمن الأول ما نلاحظه في الأسماء الممنوعة من الصرف المعتلة الآخر، وذلك في مثل: غواش، وجوار، ودواع، ونواه، وقد جاء التنوين هنا بديلاً عن حرف الياء.(24)‏ ومن الثاني ما نجده بعد لفظتي كل)) أو بعض))، إذ يؤتى بالتنوين ويحذف المضاف إليه، وذلك في مثل: كُلُّ هالكٌ))، فإن المراد من هذه الجملة يكون مساوياً للمراد من جملة كل إنسان هالك))(25) . وكذلك في مثل: ظهرت نتيجة امتحان الطلبة فبعضٌ ناجحٌ وبعضٌ راسب))، أي: فبعض الطلبة ناجح وبعضهم راسب. نلاحظ في هذين المثالين أن التنوين الذي لحق كلاً من كل)) وبعض)) قد جاء بديلاً عن كلمتي إنسان)) والطلبة)).(25)‏ ومن الثالث ما نجده بعد إذ)) التي تأتي مضافاً إليه، وذلك في مثل قوله تعالى: يومئذٍ تحدّث أخبارها)(26) . يقول ابن يعيش: فالأصل يومئذْ تزلزل الأرض زلزالها، وتخرج الأرض أثقالها، ويقول الإنسان ما لها، فحذفت هذه الجمل الثلاث وناب منابها التنوين)).(27)‏ كما يقوم التنوين كذلك بوظيفة العمل، أي أنه إذا لحق اسم الفاعل مثلاً فإنه يعمل في الاسم الذي يليه بالنصب. ونلاحظ ذلك في قول الكسائي: اجتمعت وأبو يوسف عند هارون الرشيد، فجعل أبو يوسف يذم النحو ويقول ما النحو؟ فقلت- وأردت أن أعلمه فضل النحو- ماذا تقول في رجل قال لرجل: أنا قاتل غلامك، وقال آخر: أنا قاتل غلامك، أيهما كنت تأخذ به. قال: آخذهما جميعاً. فقال له هارون: أخطأت- وكان له علم بالعربية-. فاستحى وقال: كيف ذلك. فقال: الذي يؤخذ بقتل الغلام هو الذي قال أنا قاتل غلامك بالإضافة لأنه فعل ماض. فأما الذي قال أنا قاتل غلامك بلا إضافة فإنه لا يؤخذ لأنه مستقبل لم يكن بعد…)). (28)‏ نلاحظ في هذا المثال أن التنوين قد أدى دوراً دلالياً هاماً. فالذي قال: أنا قاتل غلامك بالتنوين) قد ربط الحدث بالمستقبل ومن ثم فلا جناية عليه، على العكس من القاتل: أنا قاتل غلامك بالإضافة)، فإن فعله قد ارتبط بالماضي فصار الحدث واقعاً، وبالتالي يكون قد أقر بالجناية.(29)‏ ومن الدلالات التي يؤديها التنوين كذلك: التفريق في بنية الكلمة من حيث التعريف والتنكير. فهو عندما يلحق المبنيات تكون وظيفته التنكير للكلمة الملحق بها. ولقد قسم النحاة هذا النوع إلى قسمين: قياسي وسماعي. أما القياسي فيكون في الأسماء المختومة بـ ويه)) كخالويه، وعمرويه، وسيبويه. فإذا أردت أن تتحدث عن واحد من هؤلاء، وكان معهودا بينك وبين من تخاطبه، معروفاً بهذا الاسم، لا تختلط صورته في الذهن بصورة غيره، فإنك تنطق باسمه من غير تنوين، وأنت بهذا تتكلم عنه كما تتكلم عن الأعلام الأخرى، التي يدل الواحد منها على فرد خاص بعينه، مثل: محمد، أو صالح، أو علي.‏ أما إذا أتيت بالتنوين في آخر الكلمة، فإن المراد يتغير إذا تصير كمن يتحدث عن شخص غير معين، لا يتميز عن غيره من المشاركين له في الاسم، وكذلك حين تتحدث عن رجل أي رجل مسمى بهذا الاسم.‏ وأما السماعي فيكون في أسماء الأفعال، وأسماء الأصوات، وذلك مثل: صه، وايه، وغاق. فهذه الكلمات وأشباهها تكون منونة حيناً، وغير منونة حيناً آخر، كأن تسمع شخصاً يتحدث في أمر معين لا يهمك سماعه، فتخاطبه بقولك: صه بسكون الهاء)، تريد منه السكوت عن الكلام في هذا الأمر المخصوص الذي يتحدث فيه… أما إذا خاطبته بقولك: صه بالتنوين) فيكون مرادك حينئذ طلب السكوت عن الكلام في جميع الموضوعات لا في موضوع معين)).(30)‏ هذا وللتنوين وظائف أخرى كثيرة، اقتصرنا على ذكر أهمها، والتي نعتقد أنها واضحة المعالم من بنية الدلالة.‏ ج-النبر Accent‏ لعلماء اللغة المحدثين تعريفات عديدة للنبر، تتفق جميعها عل أنه الضغط على مقطع معين بحيث يكسبه ذلك سمة الوضوح السمعي عن المقاطع الأخرى، وهذه بعض التعريفات:‏ إعطاء مزيد من الضغط أو العلو لمقطع من بين مقاطع متتالية.(31)‏ إشباع مقطع من المقاطع، وذلك بتقوية ارتفاعه الموسيقي، أو شدته، أو مداه، أو عدة عناصر منها في آن واحد.(32)‏ وضوح نسبي للصوت أو المقطع، مقارنة ببقية الأصوات والمقاطع في الكلام.(33)‏ بذل طاقة معينة عند أداء الصوت أو المقطع من طرف أعضاء النطق.(34)‏ وقد اختلفت آراء هؤلاء العلماء أعني علماء اللغة المحدثين) بخصوص وجود ظاهرة النبر في اللغة العربية الفصحى. ففي حين يذهب كارل بروكلمان)) K. Brockelman- وهو من العارفين باللغات السامية- إلى أن النبر موجود في اللغة العربية ويتوقف على كمية المقطع فإنه يسير من مؤخرة الكلمة نحو مقدمتها، حتى يقابل مقطعاً طويلاً فيقف عنده، فإذا لم يكن في الكلمة مقطع طويل فإن النبر يقع على المقطع الأول منها))(35) ، يذهب برجشتراسر)) إلى أن ظاهرة النبر نادرة في اللغة العربية الفصحى، عكس اللهجات العربية التي تكثر فيها هذه الظاهرة.(36)‏ وأما الدكتور إبراهيم أنيس فيذهب إلى أنه لا يوجد لدينا دليل مادي يهدينا إلى مواضع النبر في اللغة العربية كما نطق بها الأقدمون في العصور الإسلامية الأولى، إضافة إلى أن المؤلفين القدماء لم يتناولوا في مؤلفاتهم هذه الظاهرة.(37)‏ الشيء نفسه يذهب إليه الدكتور أحمد مختار عمر، إذ يرى أن اللغة العربية لا تستخدم النبر كملمح تمييزي، وأننا لا نملك دليلاً مادياً يبين كيف كان الأقدمون ينبرون كلماتهم، على أساس أن قدماء اللغويين العرب لم يهتموا بتسجيل هذه الظاهرة.(38)‏ ويصرح الدكتور عبد الرحمن أيوب أن النبر لم يحظ باهتمام علماء اللغة العرب القدامى.(39)‏ وبعد: هل صحيح أن علماء العربية لم يتناولوا في مؤلفاتهم قضية النبر هذه؟ أو أنهم أشاروا إليها ولكن بأسماء ليست معروفة في علم اللغة الحديث؟‏ الحقيقة أن هناك من العرب من عرف النبر بمعنى الهمز. قال ابن منظور)): والنبر همز الحرف، ولم تكن قريش تهمز في كلامها. ولما حج المهدي قدم الكسائي يصلي في المدينة فهمز، فأنكر أهل المدينة عليه وقالوا: تنبر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن)).(40)‏ ومصطلح النبر هذا أشار إليه ابن جني بمعنى تطويل بعض حركات الكلمة وسماه مطل الحركة)). قال: وحكى الفراء عنهم: أكلت لحماً شاة، فمطل الفتحة فأنشأ عنها ألفا. ومن إشباع الكسرة ومطلها ما جاء عنهم من الصياريف، والمطافيل والجلاعيد)).(41)‏ ويقول في موضع آخر: وذلك قولهم عند التذكر مع الفتحة في قمت: قمتا، أي قمت يوم الجمعة، ونحو ذلك، ومع الكسرة: أنتي، أي أنت عاقلة، ونحو ذلك، ومع الضمة: قمتو، في قمت إلى زيد ونحو ذلك)).(42)‏ وما سماه ابن جني المطل)) سماه سيبويه الإشباع)). يقول: فأما الذين يشبعون فيمططون، وعلامتها واو وياء، وهذا تحكمه لك المشافهة، وذلك قولك: يضربها، ومن مأمنك. وأما الذين لا يشبعون فيختلسون اختلاسا. وذلك قولك: يضربها ومن مأمنك، يسرعون اللفظ. ومن ثم قال أبو عمرو إلى بارئكم)).(43) ويدلك على أنها متحركة قولهم: من مأمنك فيبينون النون، فلو كانت ساكنة لم تحقق النون)).(44)‏ من خلال ما تقدم نستنتج أن قدامى اللغويين العرب لم يعرفوا النبر بمعنى الضغط على مقطع من مقاطع الكلمة. وهذا هو وجه الاختلاف بينهم وبين علماء اللغة المحدثين. ولعل ذلك راجع إلى كونه أي النبر) لا يقوم بوظيفة دلالية في العربية الفصحى، سواء أكان ذلك عن طريق الضغط أم المطل أم الإشباع. وهذا يعد في نظر الدكتور إبراهيم أنيس ميزة في اللغة العربية. يقول: ولحسن الحظ لا تختلف معاني الكلمات العربية، ولا استعمالها باختلاف موضع النبر فيها)).(45)‏ وإذا كان النبر ليس ذا ملمح تمييزي في العربية الفصحى، فإن العامية العربية يلعب فيها النبر دوراً دلالياً هاماً. فقد يستخدم النبر في العامية ليكون مميزاً بين أكثر من معنى للكلمة الواحدة. فكلمة قلم) يكون النبر فيها على المقطع الأول عندما يراد بها الإخبار، أو الإثبات، أو الإجابة عن سؤال، مثل: ماذا بيدك؟ أو ماذا في حقيبتك؟ فتكون الإجابة قلم) بنبر قوي على المقطع الأول. أما إذا استخدمت كلمة القلم) ليراد بها الاستفهام في العامية أو التعجب فإن النبر القوي ينتقل إلى المقطع الثاني، كأن نقول قلم) ونحن نريد أن نقول: هل معك قلم…؟ أو في جيبك قلم…؟))(46)‏ وأما في اللغات الأخرى كالإنجليزية والفرنسية فإن النبر فيها ذو وظيفة دلالية. ففي الإنجليزية-مثلاً- نجد أن النبر إذ وقع على المقطع الأول كانت الكلمة اسماً، أما إذا وقع على المقطع الثاني فتكون الكلمة فعلاً. مثال ذلك:(47)‏ اسم فعل‏ Increase In,crease‏ Compact Com,pact‏ Subject Sub,ject‏ اسم فعل‏ Accent Ac,cent‏ Conduct Con,duct‏ ج-التنغيم Intonation‏ التنغيم عبارة عن تنويعات صوتية تكسب الكلمات نغمات موسيقية متعددة. ولقد كان لعلماء اللغة المحدثين تعريفات مختلفة، نذكر منها ما يلي:‏ - هو عبارة عن تتابع النغمات الموسيقية أو الإيقاعات في حدث كلامي معين.))(48)‏ - هو المصطلح الصوتي الدال على الارتفاع =الصعود) والانخفاض =الهبوط) في درجة الجهر في الكلام.))(49)‏ - هو رفع الصوت وخفضه في أثناء الكلام، للدلالة على المعاني المختلفة للجملة الواحدة.))‏(50)‏ - هو الإطار الصوتي الذي تقال به الجملة في السياق.))(51)‏ تتفق هذه التعريفات جميعها على أن التنغيم عنصر صوتي تتراوح شدته بين الارتفاع والانخفاض، وذلك على مستوى الحدث الكلامي.‏ ولقد فرق بعض اللغويين بين مصطلحين أساسيين هما: النغمة Ton والتنغيم Intonation. فأما النغمة فتكون على مستوى الكلمات المفردة، في مثل: نعم، لا، ولد، الخ… وأما التنغيم فيكون على مستوى الجملة. (52)‏ ويتفق جميع علماء اللغة المحدثين- على اختلاف مدارسهم- على أن التنغيم يقوم بدور دلالي في بعض اللغات كالصينية واليابانية، ولا يقوم بمثل هذه الوظيفة في بعض اللغات الأخرى كالعربية مثلاً. ويزعمون أن قدامى اللغويين العرب لم يسجلوا هذه الظاهرة في كتبهم لأنها ليست ذات قيمة صرفية أو نحوية. فهذا برجشتراسر)) يقول: … فتعجب كل العجب من أن النحويين والمقرئين القدماء لم يذكروا النغمة ولا الضغط أصلاً. غير أن أهل الأداء والتجويد خاصة رمزوا إلى ما يشبه النغمة، ولا يفيدنا ما قالوه في شيء، فلا نص نستند عليه في إجابة مسألة كيف كان حال العربية الفصيحة في هذا الشأن.))(53)‏ وهذا الدكتور رمضان عبد التواب يقول: ولم يعالج أحد من القدماء شيئاً من التنغيم ولم يعرفوا كنهه. غير أننا لا نعدم عند بعضهم الإشارة إلى بعض آثاره في الكلام، للدلالة على المعاني المختلفة.))(54)‏ نلاحظ من خلال هذين القولين مدى التناقض الصريح الذي وقعا فيه. فهما من جهة يتعجبان ويجزمان قطعا بأن القدماء لم يعالجوا هذه القضية في مؤلفاتهم، ولكنهما- من جهة أخرى- لا ينفيان وجودها عند بعضهم كابن جني وبعض من أهل الأداء والتجويد.‏ والحقيقة-في نظري- أن المسألة ليست مسألة نفي أو إثبات، بقدر ما هي مسألة استقراء، وإعادة قراءة للتراث. فمن المسلّم به أن لكل عصر منهجه، ومصطلحاته، ولكل باحث طريقته في تسجيل الظواهر اللغوية. فإذا كان علم اللغة الحديثة يميل إلى التخصص في كثير من الفروع اللغوية، حتى أصبح كل فرع منها علم قائم بذاته، فإن الدراسات اللغوية القديمة يغلب عليها طابع الإلمام بكل هذه الفروع، بل إن العرف الذي كان سائداً آنذاك هو أن العالِم لأيون عالِما بحق إلا إذا كان ضليعاً في جميع الفروع اللغوية. يقول ابن قتيبة: وليست كتبنا هذه لمن لم يتعلق من الإنسانية إلا بالاسم، ولم يتقدم من الأداة إلا بالقلم والدواة، ولكنها لمن شدا شيئاً من الإعراب، فعرف الصدر والمصدر، والحال والظرف، وشيئاً من التصاريف والأبنية، وانقلاب الياء عن الواو، والألف عن الياء، وأشباه ذلك.))(55)‏ وفي هذا القول-كما نرى- إشارة صريحة إلى أن اللغوي الحقيقي هو ذلك الذي يكون على دراية بالمسائل الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية، وهي كلها فروع علم اللغة الحديث.‏ وبعد: هل كان للغويين العرب القدماء حديث عن التنغيم؟ وإذا كان الجوابنعم)) فتحت أي مصطلح عالجوا هذه القضية؟‏ رأينا قبل قليل أن علماء العربية لا يفصلون في دراساتهم بين القضايا النحوية، والصرفية، والصوتية، وغير ذلك، ومن ثم فإن نظرة فاحصة في مختلف أبواب كتب التراث تكشف لنا عن كثير من القضايا الصوتية التي عالج بها القدماء مسائل نحوية، ومن بين هذه القضايا قضية التنغيم.‏ فهذا ابن جني مثلاً يتحدث في كتابه الخصائص)) عن مسوغات حذف الصفة، ويورد في ذلك حديثاً ممتعاً هذا نصه: وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها. وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم: سير عليه ليل، وهم يريدون: ليل طويل. وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها. وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله: طويل أو نحو ذلك. وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته، وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه، فتقول: كان والله رجلاً! فتزيد في قوة اللفظ بـالله) هذه الكلمة، وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها) أي رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك. وكذلك تقول: سألناه فوجدناه إنساناً! وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه، فتستغني بذلك عن وصفة بقولك: إنساناً سمحا أو جواداً أو نحو ذلك.))(56)‏ فهذا الحديث الممتع لابن جني يدل على أنه أدرك بفكره الثاقب أن التنغيم وتعبيرات الوجه التي تصاحب قول القائل تلعب دوراً دلالياً هاماً، إذ تساعد في فهم كثير من القضايا النحوية. وأعتقد أن لا أحد ينكر بأن مصطلحات: التطويح، والتطريح، والتفخيم، والتعظيم، والتمطيط، كلها وسائل تنغيمية تصدر عن المتكلم، وأي واحد من هذه المصطلحات- في نظري- يمكن أن يقابل مصطلح التنغيم في علم اللغة الحديث.‏ ومن ذلك أيضاً ما ذهب إليه ابن يعيش)) وهو يتحدث عن أسلوب الندبة حيث يقول: أعلم أن المندوب مدعو ولذلك ذكر مع فصول النداء لكنه على سبيل التفجع، فأنت تدعوه وإن كنت تعلم أنه لا يستجيب، كما تدعو المستغاث به وإن بحيث لا يسمع كأن تعده حاضراً.‏ وأكثر ما يقع في كلام النساء لضعف احتمالهن وقلة صبرهن، ولما كان مدعواً بحيث لا يسمع أتوا في أوله با أو وا) لمد الصوت، ولما كان يسلك في الندبة أو النوح مذهب التطريب زادوا الألف آخر للترنم)).(57)‏ وهنا نجد ابن يعيش يستعمل مصطلحين آخرين يقابلان مصطلح التنغيم، وهما: التطريب والترنم.‏ ومما ذكره السيوطي بخصوص هذه القضية كذلك قوله: حدث المرزباني عن إبراهيم ابن إسماعيل الكاتب قال: سأل اليزيديُ الكسائيَ بحضرة الرشيد فقال: انظر أفي هذا الشعر عيب؟ وأنشده…‏ لا يكون العيرُ مهراً لا يكون المهرُ مهرُ‏ فقال الكسائي قد أقوى الشاعر. فقال له اليزيدي: انظر فيه. فقال: أقوى، لابد أن ينصب المهر الثاني على أنه خبر كان. فضر اليزيدي بقلنسوته الأرض وقال: أنا أبو محمد، الشعر صواب، إنما ابتدأ فقال المهر مهر)).(58)‏ إذن، لقد ذهب اليزيدي-بفطنته- إلى أن التنغيم لعب هنا دلالة نحوية كبيرة. فالقراءة السليمة لهذا البيت تكون بتحقيق سكتة على كلمة لا يكون)) الثانية، مع مط قليل في الصوت، بحيث تكون القراءة كما يلي: لا يكون العبر مهرا لايكون))، ومن ثم فإن لا يكون)) الثانية جاءت توكيداً لفظياً لما قبلها.‏ هذه بعض من المقتطفات التي أعتقد أنها إشارة إلى ظاهرة التنغيم، والفرق- فيما أرى- يكمن في وضع المصطلح ليس غير.‏ الهوامش:‏ (1) ينظر الدكتور محمد أحمد أبو الفرج: مقدمة لدراسة فقه اللغة، دار النهضة العربية بيروت الطبعة الأولى 1969م، ص132 وما بعدها.‏ (2) Al-Khuli M.A) : A Dictionary of theoretical linguistics. Librairie de Liban Beirut. First edition 1982, p209‏ (3) سورة الرحمن: 66‏ (4) ابن جني: الخصائص، تحقيق محمد علي النجار، دار الهدى للطباعة والنشر بيروت بلا تاريخ، 2/ 157-158‏ (5) نفسه: 2/158‏ (6) ابن جني: المحتسب، تحقيق علي النجدي ناصف والدكتور عبد الحليم النجار والدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، القاهرة 1368هـ 2/55‏ (7) ابن جني: المحتسب 2/18‏ (8) Ullman S: The principles of semantics. Basic Blackwel, OXFord 1957, pp 31-32‏ (9) Firth J.R) : Papers in linguistics. Oxford university press. London 1957, pp 44-46‏ (10) ابن جني: الخصائص 2/149‏ (11) ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الجليل بيروت، الطبعة الأولى 1991م 4/438-441‏ (12) نفسه 4/485 وما بعدها‏ (13) نفسه 5/101-106‏ (14) ينظر السيوطي: المزهر في علوم اللغة، تحقيق محمد أبي الفضل إبراهيم وآخرين دار التراث بالقاهرة الطبعة الثالثة بلا تاريخ) 1/52-55‏ (15) نفسه 1/53‏ (16) الدكتور إبراهيم أنيس: من أسرار اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة الطبعة الثانية 1972م، ص126‏ (17) De Saussire F) : Cours de linguistique générale. Entreprise nationale des arts graphiques Reghaia Algérie 1991, p110‏ (18) محمد المبارك: فقه اللغة وخصائص العربية، دار القلم بيروت 1968 ص261‏ (19) jespersen o): Language its nature ,deseelopent and origin. Lonolon 1964. pp396-402.‏ (20) إبراهيم أنيس: مرجع سابق ص239‏ (21) ج. برجشتراسر: التطور النحوي للغة العربية، مطبعة السماح بالقاهرة 1929 ص17‏ (22) نفسه ص33‏ (23) هذا المصطلح يقابل ما يسميه النحويون العوض) )‏ (24) ينظر ابن هشام: أوضح المسالك دار الجيل بيروت الطبعة الخامسة 1979، 1/15 وينظر أيضاً شرح ابن عقيل دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت الطبعة السادسة عشرة 1979 1/18‏ (25) ينظر الدكتور عوض المرسي جهاوي: ظاهرة التنوين في اللغة العربية، مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض، الطبعة الأولى 1982 ص99-100، وينظر أيضاً الدكتور أحمد كشك: من وظائف الصوت اللغوي محاولة لفهم صرفي ونحو ودلالي) ، مطبعة المدينة بالقاهرة الطبعة الأولى 1983 ص14‏ (26) سورة الزلزلة: 4‏ (27) ابن يعيش: شرح المفصل، عالم الكتب بيروت بلا تاريخ) 9/30‏ (28) السيوطي: الأشباه والنظائر تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة 1975، 3/245‏ (29) ينظر أحمد كشك: مرجع سابق ص15‏ (30) عوض المرسي جهاوي: مرجع سابق ص89-90، وشرح ابن عقيل: 1/17، وأوضح المسالك: 1-14‏ (31) ماريو باي: أسس علم اللغة، ترجمة الدكتور أحمد مختار عمر، عالم الكتب بالقاهرة الطبعة الثانية 1983 ص93‏ (32) جان كانتينو: دروس في علم أصوات العربية، ترجمة الدكتور صالح القرمادي سنة 1969 ص188‏ (33) ينظر الدكتور تمام حسان مناهج البحث في اللغة، الطبعة الأولى 1955 ص160‏ (34) ينظر الدكتور كمال محمد بشر: علم اللغة العام: الأصوات، القاهرة 1970 ص210‏ (35) كارل بروكلمان: فقه اللغات السامية، ترجمة الدكتور رمضان عبد التواب، الرياض 1977 ص45‏ (36) ينظر برجشتراسر: مرجع سابق ص46-47‏ (37) ينظر الدكتور إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثالثة 1976 ص46‏ (38) ينظر الدكتور أحمد مختار عمر: دراسة الصوت اللغوي، الطبعة الأولى 1976 ص307‏ (39) ينظر الدكتور عبد الرحمن أيوب: محاضرات في اللغة، مطبعة المعارف بغداد 1966 ص145‏ (40) ابن منظور: لسان العرب، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1992، 5/189‏ (41) ابن جني: الخصائص 3/123‏ (42) نفسه 3/129-130‏ (43) ابن منظور: لسان العرب، دار صادر بيروت، الطبعة الأولى 1992، 5-189‏ (44) سيبويه: الكتاب، تحقيق عبد السلام محمد هارون، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ودار الرفاعي بالرياض، الطبعة الثانية 1983، 4/202‏ (45) إبراهيم أنيس: الأصوات اللغوية، ص175‏ (46) الدكتور محمد علي رزق الخفاجي: علم الفصاحة العربية، دار المعارف القاهرة، الطبعة الثانية 1982، ص190-191‏ (47) ينظر الدكتور محمود السعران: علم اللغة مقدمة للقارئ العربي) ، دار الفكر العربي القاهرة بلا تاريخ) ص210. وينظر الدكتور كريم زكي حسام الدين: أصول تراثية في علم اللغة، مكتبة الأنجلو المصرية، الطبعة الثانية 1985، ص187. وينظر محمد علي رزق الخفاجي: مرجع سابق ص189‏ (48) ماريو باي: مرجع سابق، ص93‏ (49) محمود السعران: مرجع سابق، ص210‏ (50) الدكتور رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللغة ومناهج البحث اللغوي، مكتبة الخانجي القاهرة، الطبعة الثانية 1985، ص106‏ (51) الدكتور تمام حسان: اللغة العربية معناها ومبناها، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1973، ص226‏ (52) ينظر كريم زكي حسام الدين: مرجع سابق، ص189‏ (53) برجشتراسر: مرجع سابق، ص46‏ (54) رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللغة، ص106‏ (55) ابن قتيبة: أدب الكاتب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية بالقاهرة 1355هـ، ص12‏ (56) ابن جني: الخصائص، 2/370-371‏ (57) ابن يعيش: مرجع سابق، 2-13‏ (58) السيوطي: الأشباه والنظائر، 3/245‏ * كلية الآداب = جامعة باتنه- الجزائر.‏ ------------------ نشر هذا البحث في : مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 85 التصنيف الرئيسي: النادي اللغويّ التصنيف الفرعي: بحوث صوتية

  • خطأ الإسناد الأساسي (F.A.E) | Fundamental attribution error bias

    By Khaiyam khalid 1: خطأ الإسناد الأساسي (F.A.E) يسمى أيضًا: التحيز في المراسلات أو تأثير الإسناد المفرط. ما هو؟ بكلمات بسيطة: الحكم على الآخرين بناءً على شخصيتهم والحكم على أنفسنا بناءً على الموقف ". التفصيل: نحكم على الآخرين بناءً على شخصيتهم أو صفاتهم الأساسية ولكننا نحكم على أنفسنا بناءً على الموقف الذي لا يمثل شيئًا بالنسبة لنا. كلمات أفضل بكثير من كلماتي: "يشير خطأ الإسناد الأساسي إلى ميل الفرد إلى إسناد أفعال شخص آخر إلى شخصيته أو شخصيته أثناء إسناد سلوكه إلى عوامل ظرفية خارجية خارجة عن سيطرته". لذلك يبدو الأمر كما لو أننا نسمي كلمات أخرى لأنهم هذا النوع من الأشخاص ، بينما نقوم بتهدئة أنفسنا لأنه حدث ظاهريًا ليس من خلال السلوك أو الشخصية أو أي شيء بداخلي. مثال: أحد أكثر الأمثلة حزنًا على الاهتمام الداخلي سواء كان مبررًا أم لا هو إلقاء اللوم! تأخرت سالي لأنه كسول وتأخرت لأنه كان صباحًا سيئًا. هناك ثلاثة أمثلة مختلفة من FAE: 1 - لوم الضحية: يُعرف أيضًا باسم "مغالطة العالم العادلة". وهو يشير إلى الخطأ في جريمة ما على الضحية ، وإلقاء اللوم عليها في النقص الأخلاقي الذي استفز الجاني بطريقة ما. عندما يلحق المصير السيئ بشخص آخر ، قد يكون لديك غريزة إلقاء اللوم على الضحية. لقد سقط لأنه غير مقدس ". إن مجرد الاستدلال على التصرفات هو الذي يفترض أن مصير شخص ما مرتبط بطبيعته بأساس ثقافي ... 2. تجاهل الاختلافات الثقافية: من الصعب الحكم على إدراك ومتابعة الشخصيات والأخلاق القائمة على الثقافة والاستنتاج. تعمل غريزتك الحوفية على الثقافة التي نشأت فيها وعلى الثقافة التي نشأت فيها في ثقافتي ، ولهذا السبب من الصعب جدًا الحكم على نشاط شخص ما من خلال تمييزه بثقافته المختلفة عن ثقافتك. 3. افتراض النية: الأمر كله يتعلق بافتراض نية شخص ما في أفعاله. لقد فعل هذا لأنه اعتقد هذا ... تأخر لأنه كسول ... من الخطأ إسناد الزخم الحقيقي وراء الأفعال. ويؤدي إلى عدم معرفة أي شيء عن الواقع ، فقط من خلال شكوكك. تفسير: إنه الميل في نفسك إلى المبالغة في التركيز على السلوكيات الميول للآخرين ، والتي تستند إلى افتراضك أو إدراكك (أو ملاحظتك). مثل هذا الرجل ارتكب خطأ لأنه من هذا النوع من الأشخاص. عندما يرتكب خطأ آخر ، يقول FAE أنك ستتصل به: نعم ، لقد فعلت ذلك لأنك أنت هذا وذاك. لم تفكر حتى في احتمال وجود شيء بيئي أو أي قضية أخرى خفية. أنت فقط تستمر بالكلمات اللاذعة. ولكن عندما يتعلق الأمر بك ، مهما كنت مخطئًا ، من خلال F.A.E ، ستنكمش لتقبل أخطائك وأخطائك. تأثيرات: يؤثر على: 1: التواصل الاجتماعي. 2: الإيمان. اجتماعي: لا داعي لشرح كيف يرى العالم النرجسي. يؤثر على وضعك الاجتماعي بطرق مختلفة: العلاقات الاجتماعية: الاكثر خطرا! إنه مجرد متجر لعلاقاتك. إذا كنت تريد أن تكون مقيدًا فتجنبها على أي حال. قيمة فمك الاجتماعي: عندما تكون محاصرًا بشكل مميز في شبكة F.A.E ، تكون قيمة إرادتك منخفضة ومتدنية بطبيعتها. لن يحب الناس الاستماع إليك ، ولا حتى كلمة واحدة. عندما يستمر في التجذير ، سيرغب الجميع في الابتعاد عنك بسبب سلوكك المتعمد. لن يرغب أي شخص آخر في التحدث إليك. والأكثر فظاعة هي عندما تقول شيئًا ولا ينتبه إليه أحد بدلاً من أن تكون آذانًا صاغية. قيمة حكمك الاجتماعي: عندما تكون قيمة كلماتك صفرية ، فكيف يمكن أن تكون أحكامك أعلى هناك؟ مهما كان الموقف ، لا أحد يحب سماع واتباع هذه الأنواع من أحكام الناس. لأنهم يعتقدون أن هذا الرجل هو الحكم ، الذي يضع قدمه دائمًا في الحكم والحكم فقط. قيمة الشخصية الاجتماعية: هذه الشبكة تجعلك تقلل من وجودك وتشوهك بدلاً من تدمير شخصيتك بالكامل في المجتمع الذي تعيش فيه. وفي هذا القرن قد تكون في العالم كله. وقيمة وضعك الاجتماعي ، إبر لتقطيع كلمة. الاعتقاد: 1: إيمان الناس بك مما يسبب آثاراً اجتماعية. 2: معتقداتك عن الآخرين: عقلك على الآخرين. ستحكم بلا وعي على كل شخص تقريبًا مما يجعلك مريضًا عقليًا. سوف يموت وعيك الذاتي واحترامك لذاتك بشكل مبالغ فيه. سوف تدخل في كل موقف بناءً على الاعتقاد الذي تتميز به. المعتقدات صعبة إلى حد كبير لأنه من الصعب للغاية مواجهتها ، ثم تخيل حالة عقل شخص ما ضاع في شبكة خطأ الإسناد الأساسي! كيف تتجنبها؟ الآن أهم شيء هو كيف يمكننا تجنب العدو الذي يدمر الحياة؟ حسنًا ، ليس بهذه الصعوبة. ما عليك سوى اتباع بعض النقاط وهذا كل شيء. 1. نحن لا نعرف الأفكار الخفية وهذه حقيقة. إذا كان شخص ما يفعل شيئًا ما أو يمر ببعض المواقف ، فربما تكون هناك بعض الأسباب وراء ذلك في العقل والتي لا نعرفها تمامًا. 2. الإمكانية: يمكن أن يكون هناك دائما

  • مفهوم الجهل ومفهوم الجاهلية

    By Khaiyam khalid مفهوم الجهل ومفهوم الجاهلية: ١. يتوهم بعضهم وهو: يظن أن المجتمعَ الذي بُعثَ فيه النَّبِي مُحَمَدٌ بالرسالة والنبوة، قبل الإسلام؛ أنه: موصوف بالجاهلية لأنهم كانوا لا حضارة لهم؛ أو أنهم جهلة بالمعرفة والعلوم؛ أو لأنهم كانوا يعبدون الأوثان؛ وكثيرة هي التصورات أو الخيالات التي تصرف المتفكر عن الحقيقة؛ مَا لم يدقق في النظر بالفكر في الواقع؛ ويُحسِن الإستدلال بطلب المعلومات المناسبة للتفسير الصحيح له؛ ورعاية ذلك بالفكرة المتفحصة للمعلوم على الوجه الصادق. ٢. إن المجتمعَ الذي بُعثَ فيه سَيِّدنَا النَّبِيُّ مُحَمَدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ بالرسالة والنبوة قبل دخوله في الإسلام: مجتمعٌ مستقرٌ بنمط مِنَ العادات والتقاليد والأعراف في نظام الأمة؛ من الجهتين الفكرية والسياسية؛ وتتضح هذه الصورة بجلاء كاشف للحقائق بفكرة النظام السياسي لتقريرات دار الندوة مركز قيادة الحكم في قريش آنذاك وإجتماع رأيهم؛ حيث كان يجتمع فيه عقلاء القوم وكبراؤهم؛ وقد إتفقوا على إقرار ما يرونه مناسباً للعدل ومناسباً لرفع الظلم. ٣. ولقد استمرَ هذا العرف بعد ذلك على طريقة اجتماع عقلاء القوم وكبرائهم في مجلس قريش الذي يأتمرون به لمناقشة كبريات مشكلاتهم ثم لمعالجتها؛ وهم ينظرون بالعقل الجمعي لعرفائعهم وحكمائهم؛ فيعبر عُرَفاؤهم عن طبيعة المشكلات؛ ويحكم حكماؤهم على حسب ما عندهم من أعراف وعادات وتقاليد ورثوها من آبائهم. ٤. ولذلك من هذه الجهة كان القرشيون مجتمعاً سياسياً بنظام عرفي مستقر تحكمه العادات والتقاليد؛ لا رأس فيه؛ وإنما الرأي للأكثر حجة وأقوى برهاناً؛ وليس مجتمعاً بدائياً بمفهوم قبلي محض أو عائلي متسلط؛ على حسب ما تصوره بعض المعاصرين قياساً على المجتمعات البدائية. بل كان مجتمع مكة والقرى من حولها مجتمعاً متحضراً تحكمه مفاهيم العادات من الموروثات الفكرية والسلوكية على حسب ما تعارفوا عليه من منظومة قيمية إجتماعية، وبما يناسب عيشهم وأعرافهم لذاك الزمان؛ وعلى وفق ذلك ترتبت علاقاتهم بالفطرة أو بالفكرة؛ فكانت لديهم قيم أخلاقية إجتماعية تشكل مفاهيمهم السياسية. ٥. وأشهر هذه القيم العرفية: إحترام الرأي الآخر؛ فقبلوا جدل الأفكار مع أفكار الدعوة في مكة؛ وتميزوا بالرجوع إلى كبرائهم بالرجوع إلى عقلاء كل قوم؛ ثم إجتماع رأيهم على موقف واحد قبالة الدعوة والرسالة؛ فضلا عن مفاهيم قيمية سياسية كانت تسود مجتمعهم؛ كالإجارة أو الجوار؛ وهو ما يسمى في زماننا باللجوء السياسي؛ والسقاية للحجيج؛ والرفادة وإقراء الضيف؛ وغيرها من مفاهيم القيم الأخلاقية الإجتماعية والفكرية السياسية. ٦. وكذلك لديهم حياة سياسية في الاقتصاد وإدارة شؤون العيش بالتجارة في رحلتي الشتاء والصيف؛ ولقد أخذ هذا النظام قدسيته السياسية بإحترام قوانين البيع والشراء والأمانة في ذلك من قدسية المكان الذي يأوي إليه الناس على حسب معتقداتهم قبل الإسلام؛وأيضاً: الثقة بعقول سادة قريش وذكائهم وأمانتهم. ٧. أما الجاهلية التي وصف القرآن بها القومَ؛ فهي: جاهلية الحكم الذي كانوا عليه؛ بأنه لا يرجعون في تشريعاتهم إلى نبي مُرسل ولا إلى كتاب مُنَزل؛ وأن مرجعيتهم في الحكم والسيادة؛ إلى عقولهم؛ لا إلى عقيدة ينبثق عنها نظام ولا إلى كتاب تتفرع منه أحكام؛ وأن أمر الحياة وشؤون الجماعة والمجتمع له ما قبله وفيه ما بعده. ولهذا فإن القرآن من هذه الجهة يصف كل النظم في العالم بأنها جاهلية؛ فوصف أهل الكتاب بأنهم ضالون لأنهم لم يُحَكِّمُوا الكتابَ الذي جاءهم في نظام حياتهم؛ وأنهم إتخذوا أهبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّٰهِ؛ مع أنهم لم يعبدوهم؛ ولكنهم حكموهم في التشريع وأطاعوهم؛ وهكذا سائر أمم العالم في نظر الإسلام: أنها نظمُ جاهلية؛ وَهُم باحتكامهم إلى هذه الشرائع في نظام أممهم يعدون جاهليين وجوباً؛ لأنهم قد فقدوا إنسانيتهم في ترك العقل لمعرفة الوحي والرسالة والنبوة. أو لأنهم معرضون عنها. ٨. ولذلك نجد أن القرآن لم يصف الشعر زمن البعثة ولا قبلها بالجاهلية؛ بل إعتمد المسلمون أشعار العرب لفهم كتاب ربهم؛ ووصف الشعرَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ: أن من الشعر لحكمة. فضلاً عن أن القرآن جاء بلسان عربي مبين؛ فهو خاطبهم به على حسب أساليبهم في التفاهم؛ بل إعتمد لسانهم لفَهم المراد وجعل معهودهم في الخطاب أصل لفَهم الكتاب والسُّنَّة؛ فاللسان العربي لسان فيه القابلية للتعبير عن مفاهيم الحضارة؛ وهكذا نجده في القرآن والسُّنَّة. ٩. وذلك يدل من جهة الواقع: على أن الفكر العربي قبل الإسلام من جهة اللغة واللسان والأخلاق؛ يحمل مفاهيم عن الحياة، ويتسع لسانهم للتعبير عن ثقافة عميقة الفكر؛ مع أن فكرته عن الحياة ساذجة من جهة العقيدة الصحيحة الصالحة ونظام الدين في سياسة الدنيا. ولذلك كانت الجاهلية وصف لعقيدة العرب السياسية وسذاجة مفاهيمهم عن الحياة في نظام الأمة والعالم. وأنهم لا يملكون الفكر المستنير مع أن عقولهم ذكية بالفطرة وملهمة إذا حملت الفكرة الصالحة الصحيحة؛ وهو ما حصل فعلا وتجسد واقعا بعد أن حملوا الإسلام. ١٠. ولهذا تقصد القرآن نسج خطابه بلسان العرب؛ فجاء بلسان القوم فصاحة وكمالاً؛ قال اللّٰهُ تعالى: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ). وكذلك لم ينتقص القرآن أخلاق العرب؛ ووصفهم أنهم : أمة أمية على الفطرة؛ وقال عليه الصلاة والسلام : (إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ _ وفي روايةٍ: صالحَ _ الأخلاقِ). ولكنه: وصف تشريعاتهم التي ورثوها بالجاهلية. ١١. وإذا كان هذا وضع العرب زمن البعثة؛ وكانت لديهم قيم أخلاقية في السيادة والسلطة؛ فليس لائقاً أن يصفهم البعض بالبداوة أو المجتمعات البدائية؛ كما هو الوصف عند علماء الاجتماع. وصحيح:(( أن الجهلَ في حقيقته وثنية_ على معنى: أنه يقود إلى عبادة غير اللّٰه _ لأنه لا يغرس أفكاراً بل ينصب بوهمه أصناماً)) إلا أن الجاهلية غير الجهل؛ وهي: تحكيم غير شرائع اللّٰهِ تعالى في نظام الأمة؛ ولذلك لم يصف الإسلام الأمة بالجاهلية لأنها عبدت الاوثان؛ وإنما وصف الأفراد بالجهل لأجل ذلك لِمَن كان منهم لم يستعمل عقله لمدارك الإسلام، ووصف الأمة بالأمية؛ ووصف مَن إحتكم إلى غير شرائع الإسلام بالجاهلية فرداً كان أو جماعة. ١٢. ولذلك فقد أخطأ مَن قال: من المعروف: أن القرآن الكريم قد أطلق الجاهلية على الفترة التي كانت قبل الإسلام، ولم يشفع لهم شعر رائع وأدب فذّ من أن يصفهم القرآن بهذا الوصف، لأن التراث العربي لم يكن يحوي سوى الديباجة المشرقة الخالية من كل عنصر(خلاق) أو فكر عميق. وإذا كانت الوثنية في نظر الإسلام جاهلية؛ فإن الجهل في حقيقته وثنية.(مالك بن نبي_ شروط النهضة). ١٣. إن هذا الخطاب الذي تلقفه الكثيرون؛ خطاب أدبي جميل وعميق؛ ولكنه ليس دقيقا؛ لأنه إذا كان ينطبق هذا المفهوم على وثنية الشعوب البدائية التي درسها علماء الاجتماع؛ فإنه لا ينطبق على القريشيين والعرب؛ لأنهم لم يتخذوا الأصنام إلا للتقرب إلى اللَّهِ زلفى؛ وللعبادة على حسب فهمهم؛ وليس عندهم الساحر أو الكاهن ورجل الدين على النمط للشعوب البداية، صاحب قرار وفكرة؛ بل كان القرار لعقلهم الجمعي؛ وأما عبادة الأصنام فقد دخلت إليهم فكرة الوثنية تقليداً ومحاكاة لعادات أمم أخرى؛ وهم يعرفون أن لهذا الوجود الآها؛ ولا يعرفون كيف يصلون إليه بالعبادة؛ فلم يكونوا سذج الفكر، بل كانوا جهلة الفكرة؛ وكانوا جاهلين لمعرفة الحق. وهذا جهل في الفكر والعلم؛ وجاهلية في معرفة شرائع الرسالة وأحكام النبوة في نظام الأمة والعالم. ١٤. لم يكن فكرة العرب الخاطئة زمن البعثة وهي تعاني النقص والعجز والقصور بمعنى لا تدبير لهم في السياسة والحكم؛ إلا أنهم كانوا لا يكتبون ولا يحسبون بالمرقوم؛ وكانوا أمة تحفظ، فهم أمة سمعية وهكذا كانت طبيعتهم يتعاملون بقوة ملكات العقل ومنها الحفظ والتعقل والذكاء وسرعة البديهة والخاطر. ١٥. وأيضاً كانت السيادة عند العرب متمسكة بالذي يكون أكثر نفعاً لجماعتهم وعطاءً؛ وأكثر همةً بالسخاء والكرم والاقراء والعطاء، وهم بين حِدَّة العقل ومكارم الأخلاق يتقدمون لأخذ المبادرة في الوجاهة والرئاسة. وهكذا كانوا خالين من المنافسات الوصولية للسيادة؛ فكان السيد يفرض نفسه على الجمهور ويأخذ زمام المبادرة والرئاسة برجْحَان العقل والكلام الحكيم وسداد الرأي وبلاغة القول وفصاحة اللسان والأمثلة كثيرة. ١٦. وكان العرب عباد أوثان؛ وهذا جهلهم؛ ولكنهم لم يكونوا يتشرعون لها؛ ولا لكهنتها ولا سدنتها؛ فلتلك حياتها ولهذه حياة أخرى؛ فهم ليسوا كالأمم الأخرى؛ التي تحولت من التجمعات القبلية البدائية وعقائد الجهل والجاهلية؛ والسحر والشعبذة والارواح؛ إلى عبادة الملوك والقياصرة؛ وتعبيد السدنة والكهنة والاحبار والرهبان الناس للملوك، على ما كان عليه الروم والفرس والهند والصين. وغيرها. ١٧. ثم تحولت تلك الأمم إلى نظام ثنائية الحكم وتقسيم السلطة بين رجال الدين ورجال المُلك والمال والقوة؛ في الوقت نفسه؛ كان الرأي عند العرب يرجع إلى كبرائهم من الحكماء والعقلاء أصحاب الرأي؛ فيتقدمهم ألأكثر عقلا؛ والأصوب رأياً؛ وهكذا الرأي في قريش شورى في منتدياتهم؛ في زمن الدجل والسحر في قيادة الدولتين العظميين آنذاك: الرومانية والكسروية.. ١٨. ومن وجه آخر: أن أصل المفاهيم عند العرب؛ في الدين والتدين؛ كما ورثوها من دين إسماعيل عليه السلام على ملَّة سَيِّدنَا النَّبِيِّ إبراهيم عليه السلام؛ وبقت مناسكهم كذلك في الحج والعمرة؛ في الموروث الديني على العادة والتقليد والفطرة؛ وإنْ نَسَوا الفكرة؛ ولولا عمرو بن لَحي الخزاعي لما وجدت عندهم عبادة الأوثان؛ فالعرب أمة على الفطرة أمية الفكرة؛ ورثت عادات وتقاليد في الدين طرأ عليها بدعٌ وتحرفت عن أصولها. ١٩. وبعد كل هذا: فأين جهل الأمة من العرب زمن البعثة وأين جاهليتها؟؟ الجواب: أن جهلها كائن بمعرفة اللّٰهِ تعالى ومعرفة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ومعرفة الرسالة؛ وما يترتب على هذه المعرفة من إعتقاد في واجبات الحياة ووظائفها في نظام الأمة والعالم. وأما الجاهلية فهي: في مبنى علم الشرائع والأحكام وأساس قواعد عقائد الإسلام؛ وما يُبتَنَى عليها في نظام المجتمع والواقع الحقوقي لسلطة الدولة والحكم. ولذلك عندما يذكر القرآن الجاهلية؛ فإنه يذكرها في مجال التشريع والنظام العام؛ وعندما يذكر الجهل؛ فيذكره في أساس المعتقد الإيماني. ٢٠. ومثال ذلك: قال اللّٰهُ تعالى :(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) قال اللّٰهُ تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ). بعد قوله تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ). وفائدة هذا المفهوم: تقرير الطاقة الذهنية للعرب زمن النزول لفهم الطاقة الشرعية الفكرية العقائدية والفكرية السياسية للنص الشرعي من الكتاب والسنة. ولذلك أجمع العلماء على وجوب فهم اللسان العربي على أصوله من علوم اللغة واللسان زمن النزول للتأهيل المعرفي في الاجتهاد في العلوم الإسلامية. https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/

  • الدراســــــة الصوتيـــــة عند العــرب

    💢💢💢💢الدراســــــة الصوتيـــــة عند العــرب By khaiyam khalid 1 ـ البدايــــــــــــــــــــــات :‏ لقد أولى العلماء العرب الدراسة الصوتية اهتماما كبيرا لما يربط هذه الدراسة بتجويد القرآن الكريم ، فكان من نتائج هذه الدراسة ظهور علم التجويد الذي حافظ على النطق السليم لأصوات العربية، و عناية العرب بالصوتيات قديمة تعود إلى اليوم الذي بدأ فيه اللحن، فأصاب العربية في أصواتها كما أصابها في نحوها وصرفها ودلالاتها. فالرواية التي تقول أن أعرابياً قرأ الآية القرآنية الكريمة (إن الله بريء من المشركين ورسوله ) بكسر لام رسوله بدلاً من ضمها، يفهم منها أن لحن الأعرابي كان لحناً صوتياً مس حركة اللام، وهي صوت، فنشأ عن هذا خطأ في الدلالة، وهو لحن كان حافزاً لأبي الأسود الدؤلي (67هـ) على أن يضع نقط الإعراب. ثم إن قوله للكاتب، وهو يتلو عليه (إذا رأيتني قد فتحت فمي بحرف فأنقط نقطة على أعلاه، وإذا ضممت فمي، فأنقط نقطة بين يدي الحرف، وإذا كسرت فمي فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن اتبعت شيئاً من ذلك غنة (تنويناً) فاجعل النقطة نقطتين) 1، إنما يدل على أن أبا الأسود لاحظ أثر الشفتين في نوعية الصوت الذي يسميه المحدثون بالصائت ، فحين سمى الحركات القصيرة فتحة وضمة وكسرة اعتمد على شكل الشفتين ووضعيهما عند النطق، وفي هذا إشارة إلى خاصة مهمة من خواص الحركات، ثم إن هذا الأساس في التنقيط عضوي فيزيولوجي يعتمده الدرس الصوتي الحديث. فصنيع أبي الأسود إذن، إن كان يهدف إلى المحافظة على لغة القرآن، فهو صنيع متصل بالصوتيات أوثق الصلة، كما أن نقط الإعجام الذي قام به من الدوافع إليه المحافظة على أصوات العربية سليمة .‏ 2 ـ جهود واتجاهات في الدرس الصوتي :‏ لعله من المفيد أن نذكر أن العرب لم يعالجوا الأصوات وحدها، إنما كانت معالجتهم لها مع قضايا لغوية أخرى، وكانت لها قيمة تاريخية وعلمية، وهذه المعالجة أخذت اتجاهات متعددة فهي عند أصحاب المعاجم والنحاة والبلاغيين والمعنيين بإعجاز القرآن، وعلماء التجويد والقراءات القرآنية .‏ 1 ـ أحمد مختار عمر ، البحث اللغوي عند العرب ، ص 77 . أما أصحاب المعاجم، فهم أقدم من تحدث عن الصوتيات من العرب، والناظر في معجم العين – وهو أول معجم في اللغة العربية، ينسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175) يرى أن معجمه هذا من أهم الدراسات الصوتية، وخاصة مقدمته التي تنم عن حس لغوي دقيق، حيث يقول محققا المعجم : " في هذه المقدمة بواكير معلومات صوتية لم يدركها العلم فيما خلا العربية من اللغات إلا بعد قرون عدة من عصر الخليل.1" فلقد أحسّ الخليل بكثير من جوانب المشكلة الصوتية، إذ تحدث عن مخارج الحروف وصفاتها من همس وجهر وشدة ورخاوة ونحوها، وعما يحدث للصوت في بنية الكلمة من تغيير يفضي إلى القلب أو الحذف أو الإعلال أو الإبدال أو الإدغام، وذكر عدداً من القوانين الصوتية، وعدداً من المسائل الصوتية واللهجية و القراءات .‏ ولعل أهم ما يستوقف النظر في صنيع الخليل ترتيبه معجمه على أساس صوتي، وهو صاحب الفكرة الرائدة في ترتيب الحروف حسب مخارجها، وقد رتبها على النحو التالي :‏ ع ح هـ خ غ – ق ك – ج ش ض – ص س ز – ط د ت – ظ ذ ث – ر ل ن – ف ب م – و ا ي ء .‏ ومن المعاجم التي تعرضت للجانب الصوتي بالدراسة الجمهرة لابن دريد الذي تعرّض على الأصوات التي تأتلف و التي لا تأتلف و أشار على تباعد الحروف و تقاربها و آثره على نطق الكلمة. وأما النحاة فإنهم اعتنوا بالصوتيات بوصفها مدخلاً لدراسة الصرف من إدغام وإعلال وإبدال، ونحو ذلك، ولعل خير من يمثل النحاة في حديثهم عن الأصوات أصدق تمثيل سيبويه (ت 180 هـ)صاحب الكتاب المشهور الذي يعده كثيرون المصدر الأول لعلم الأصوات العربي، وقد يضعه بعضهم بعد كتاب العين في المرتبة، وفيه لخص سيبويه آراء أستاذه الخليل بدقة وأمانة في آخر الكتاب، وقد ورث عنه، فيما ورث وصفاً دقيقاً لأصوات العربية في مخارجها و صفاتها .‏ و قد عالج سيبويه في مؤلفه ((الكتاب)) الأصوات قبل معالجة الإدغام . و عالج المبرد في كتابه ((المقتضب)) الإدغام في الجزء الأول وقدم له بدراسة للأصوات ومخارجها. كذلك أنهى الزجاج كتابه ((الجمل)) بالحديث عن الإدغام، ومهّد لحديثه ببعض الأفكار الصوتية . و أنهى الزمخشري كتابه ((المفصّل)) بالإدغام وقدّم بين يديه دراسة للأصوات .ومن المصادر الصرفية التي عالجت مباحث صوتية متعددة كالإعلال و الإبدال و القلب و الإدغام، وغيرها، الشافية لابن الحاجب ( ت 646هـ). 1 ـ الخليل بن أحمد، كتاب العين، تح د/ مهدي المخزومي، ود/ إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، ط 2إيران، 1409 ج1، ص 10. أما أصحاب المصنفات الأدبية ممن تنبهوا للظواهر الصوتية الأديب والناقد المعروف الجاحظ (255 هـ)، إذ عرّف بعض الأمراض على ثلاثة مستويات اجتماعية هي مستويات الفصحاء والعوام والأعاجم، وعرف اختلاف اللهجات، ودرس التبدلات الصوتية للغة العربية عند الأعاجم، وهذا ما اللغوية، ونجد في كتابه (البيان والتبيين) خاصة معالجة علمية دقيقة للأصوات التي تدخلها اللثغة، وتحدث عن أوصاف هذا المرض ومراتبه الاجتماعية، واقترح بعض العلاجات الطبيعية على نحو ما يعالج في أمريكا اليوم، وقد أدرك الجاحظ صلة الأمراض اللغوية بالمجتمع، فدرس التلعثم تنبهت عليه الدراسات الحديثة. أما المؤلفون في إعجاز القرآن فقد اعتنوا بمخارج الحروف، وعرفوا صلة هذه المخارج بتلاؤم الحروف وتنافرها، ولعل من أشهر هؤلاء أبا الحسن الرماني (386 هـ) الذي رأى أن التلاؤم نقيض التنافر، وضرب أمثلة له، ثم تحدث عن فواصل القرآن، ورأى أنها على وجهين أحدهما على الحروف المتجانسة والآخر على الحروف المتقاربة، وضرب أمثلة لذلك . وقد ضمّن أبو بكر الباقلاني (القرن الرابع) كتابه المشهور ((إعجاز القرآن)) كثيرا من المباحث الصوتية، بقصد تحليل آيات القرآن، وبيان أوجه إعجازها. إلا أن الذين عنوا بالصوتيات عناية قد تفوق عناية غيرهم هم العارفون بتجويد القرآن الكريم وعلماء قراءاته، فأما الأولون، فلا يخلو كتاب لهم من كلام عن مخارج الحروف وطريقة نطقها، وقد اعتنوا بالإدغام عناية خاصة، وأفاضوا فيه، يدفعهم إلى ذلك كله حرصهم على إتقان ترتيل كتاب الله وتجويد نطقه، وعنايتهم بالأصوات أدت إلى ظهور مراتب التجويد ، وظهور مصطلحات صوتية مهمة في وقت مبكر كالإشمام والروم والاختلاس والإمالة والتخفيف والتفخيم .‏ وأما علماء القراءات، فقد أعانهم على العناية بالجانب الصوتي أن قراءات القرآن الكريم كانت متواترة بالتلقي الشفوي، ويطول بنا القول إذا تحدثنا عن الصوتيات عند من ألف في القراءات. أما أول من أفرد المباحث الصوتية بمؤلف مستقل ونظر إليها على أنها علم قائم بذاته فهو ابن جني (ت392 هـ) في كتابه (( سر صناعة الإعراب )) الذي تناول فيه الموضوعات الصوتية الآتية: ـ عدد حروف الهجاء و ترتيبها ووصف مخارجها. ـ بيان الصفات العامة للأصوات وتقسيمها باعتبارات مختلفة. ـ ما يعرض للصوت في بنية الكلمة من تغيير يؤدي إلى الاعلال أو الابدال أو الادغام أو النقل أو الحذف. ـ تحدث عن صفات الأصوات، و عن الفصاحة في اللفظ المفرد. وابن جني هو أول من استعمل مصطلحا لغويا للدلالة على هذا العلم وهو علم الأصوات، ويعتبر ابن جني رائدا في هذه الدراسة، من خلال قوله: " وما علمتُ أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع".(1) كما لا ننسى عمل ابن سينا في كتابه (( الشفاء)) و في رسالته (( أسباب حدوث الحروف)) التي طُبعت بالقاهرة عام 1332 هـ بتحقيق محب الدين الخطيب. و هي رسالة مقسّمة إلى ستة فصول بالإضافة إلى مقدمتها تناول فيها سبب حدوث الصوت ومخارج الأصوات ومحابسها، و عرض تشريح للحنجرة و اللسان، ووصف العملية العضوية لكيفية صدور كل حرف وصفا مفصلا، كما تحدث عن أصوات سمعها في لغات أخرى غير موجودة في العربية.(2) 3 ـ الأصالة و السبق :‏ رأينا فيما تقدم، أن للعرب قدماً ثابتة وباعاً طويلة في الدراسات الصوتية، ونذكر الآن أن لهم فضل السبق في الوصول إلى نتائج وحقائق علمية صوتية في غاية الدقة، ذلك أن من العلماء والمستشرقين الأجانب، بل من الباحثين العرب المحدثين من يقول أن الصوتيات العربية متأثرة ببحوث الأمم السابقة على العرب كالهنود واليونان، وعنهم نقلوها ولعل ما ساعد على هذا القول أمران اثنان هما إهمال المسلمين للدراسات الصوتية في عصر الدول المتتابعة، وكون المستشرقين أول من تحدثوا عنها في عصر النهضة. وأما (بروكلمان) فقد رفض هذا الرأي القائل بتأثر العرب بالدراسات النحوية والصوتية للحضارات القديمة وعد علم الأصوات عند العرب ظاهرة قائمة بذاتها (3). وممن تولى الرد كذلك على الآخذين بهذا الرأي الدكتور كمال بشر، وهو أحد العلماء المختصين، فقال: (في رأينا أن دراسة العرب لأصوات لغتهم إنما هي دراسة أصيلة، ليست منقولة في منهجها أو طريق التفكير فيها عن غيرهم من الأمم، والقول بأنها ترجع إلى أعمال الهنود أو اليونان في دراساتهم الصوتية قول تعوزه الأدلة العلمية التي تستطيع أن تؤكد هذا الزعم أو تنفيه، على أن النظر الدقيق في جملة ما طلع علينا به علماء العربية في مجال الأصوات اللغوية يحملنا على الجزم بأن هؤلاء العلماء كانوا يصدرون عن عقليتهم الخاصة وثقافتهم العربية). 1 ـ مقدمة كتاب سر صناعة الإعراب لابن جني ص 3. 2 ـ يُنظر البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط 8، 2003، ص، 98، 99، 100، 101، 102 3 ـ أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص 65. ثم أتى بدليل على صدق قوله يتصل بمنهجهم في الدراسة الصوتية، فرأى أن هذه الدراسة تقوم على أساس نطقي، كما عند الغربيين، يعنى بالخواص النطقية للأصوات ووظائف جهاز النطق وحركات أعضائه عند إخراج الأصوات، وهذا مخالف لما سلكه اليونان، إذ اعتمد هؤلاء أولاً على الخواص السمعية للأصوات، وإذا كان منهج العرب يشابه منهج الهنود عامة، فإن فيه اختلافات كثيرة في التفصيلات، وهو منهج وصفي يعنى بدراسة الظاهرة اللغوية في معزل عن تطوراتها التاريخية، ويخلو من الافتراضات العقلية والمتاهات الفلسفية، ويقوم على أساس من أهم أسس البحث الصوتي اليوم وهو الملاحظة الذاتية .‏ ورأى الدكتور بشر أيضاً أن فيما قام به العرب سبقاً تاريخياً وعلمياً، وإذا كان الهنود قد سبقوهم تاريخياً في الدرس الصوتي، فإن هذا لا ينفي أن يكون العرب رواداً فيه، فأبجديتهم، - كما يقول- فيها مبادئ صوتية رائعة، ويتحقق فيها أحدث الآراء في الدرس الصوتي إذ أن فيها رمزاً واحداً لكل واحدة صوتية.ويقرر فيرث : " إن علم الأصوات شب و نما في أحضان لغتين مقدستين هما العربية و السنسكريتية " ، و يعلن برجستراسر سبق العرب للغربيين في الدراسة الصوتية قائلا: " لم يسبق الغربيين في هذا العلم إلا قومان من أقوام الشرق و هما أهل الهند – يعني البراهمة – و العرب" 1 1 ـ ينظر مقال للد/ أحمد عزوز، مصادر التراث الصوتي عند العرب، مجلة التراث العربي، ع 71، 72، 1998. 4 ـ جهود المحدثين العرب: ـ إبراهيم أنيس: لعب هذا الباحث دورا بارزا في الدراسات اللغوية الحديثة متأثرا بالمفاهيم اللسانية الأوربية الوصفية و التاريخية، وقد درس اللهجات دراسة مستفيضة ، كما درس المستوى الصوتي للغة في كتابيه (دلالة الألفاظ في اللهجات العربية)و (الأصوات اللغوية)، و يعد هذا الأخير من أهم الكتب التي ألفت في علم الأصوات ومن أوائلها. ـ محمود السعران: له مؤلف هام هو ( علم اللغة مقدمة للقارئ العربي) (1962)، وكان من أوائل من استعمل مصطلح بنيوية في الفكر اللساني العربي الحديث. ـ تمام حسان: تبنى وجهة النظر الوصفية لنقد التراث النحوي العربي في كتابه ( اللغة بين المعيارية والوصفية) الذي طبع أول مرة سنة 1958، وكان قد سبق هذا الكتاب مؤلف آخر (مناهج البحث في اللغة) صدر سنة 1955، عرض فيه إلى دراسة البنية اللسانية للغة العربية وفق المنهج البنيوي الغربي، أما كتابه القيّم ( اللغة العربية معناها و مبناها) فقد خصصه لوصف اللغة العربية بالاعتماد على مقولات المنهج البنيوي الحديث، وقد حاول إعادة قراءة التراث النحوي على ضوء النظرية السياقية الفيرثية. ـ كمال بشر: له في الدراسات اللغوية مؤلف (دراسات في علم اللغة) صدر سنة 1969 خصصه للبحث في التفكير اللغوي عند العرب، وركّز خلال دراسته على ابن جني و السكاكي، كما له مؤلف هام في الصوتيات ( علم الأصوات) صار من أهم المتون التي يعتمد عليها طلاب الجامعات، وقد طبع أكثر من ستة عشر مرة 1. من المؤلفات الصوتية التي لم تصل إلينا كتابا : النغم ، الإيقاع للخليل الفراهيدي . ينظر: بغية الوعاة:1/560 رسالة في مد الأصوات و مقادير الحروف: ابن جني . معجم الأدباء 2/113. 1 ـ يُنظر محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة، بوقرة نعمان، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة، 2006،ص 41، إلى 47.

bottom of page