top of page

نتائج البحث

تم العثور على 950 عنصر لـ ""

المنتجات (13)

عرض الكل

الخدمات (1)

  • English language

    One of the best platform to learn American English language in a simple way from beginning to very end

عرض الكل

الأحداث(2)

  • February 7, 2023 | 7:11 PM
  • February 5, 2023 | 5:30 PM
عرض الكل

مشورات المدونة (7)

  • محاظرة في النحو الوظيفي من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة (في نظر براغ و مارتيني)

    محاظرة في النحو الوظيفي من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة (في نظر براغ و مارتيني). النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية. هذه المقالة مشتملة علي جزئين: الجزء الأول الثاني ترتيب: مقدمات حلقة براغ:Le cercle de brague مبادئ مدرسة براغ الصوتيات الوظيفية ترتيب من الجزء الثاني: اسهامات اندري مارتيني وظيفة اللغة عند مارتيني بعض مبادئ التحليل الوظيفي عند "مارتيني" أنواع المونيمات عند مارتيني أنواع المركبات عند مارتيني الجزء الأول من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية إن الحديث عن النحو الوظيفي و مفهومه و مبادئه و التعمق في جزئياته يفرض علينا استعراضا و لو سطحيا لمسار الوظيفة في الدرس اللساني الحديث. ذلك لأن النظريات اللسانية الحديثة لم تأت من عدم، و لم تظهر فجأة و إنما جاءت نتيجة تراكمات معرفية سابقة، فالمتتبع لمسار الدرس اللساني الحديث سيلاحظ أن كل نظرية جديدة تقوم على سابقتها بشكل من الأشكال، حيث لا نجد قطيعة قطعية بين النظريات اللسانية الحديثة التي كان منطلقها فرديناند دي سوسير. إن الاتجاه الوظيفي في الدرس اللساني يحوي كل النظريات التي تنظر إلى اللغة من جانبها الوظيفي التداولي، وهو اتجاه ينتمي إلى التيار البنوي الذي تأسس نتيجة النقد الذي قدمه "دي سوسور" للمنهج التاريخي وقد أطلق على رواد هذا الاتجاه اسم الوظيفيون"، بحكم أنهم ينطلقون في دراستهم للغة من مبدأ البحث عن الوظائف والأدوار التي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة البشرية. والتحليل الوظيفي للغة ليس حكرا على البنوية، فهو يخترق الحدود المنهجية لجميع الدراسات اللسانية الحديثة، فمفهوم الوظيفية مفهوم مائع ينطلق منه اللسانيون من مختلف مذاهب علم اللسان بما في ذلك البنوية و التوليدية التحويلية والتداولية لأغراض و توجيهات منهجية مختلفة. 1- حلقة براغ:Le cercle de brague تعد مدرسة براغ من أهم المدارس اللسانية التي نشأت في ظل المنهج البنوي، و يرجع ظهورها إلى مطلع القرن العشرين بالتحديد إلى سنة 1926 بتشيكوسلوفاكيا على يد مجموعة من اللسانيين أشهرهم: ماتيزيوس Mathesius، تروبتزكوي ،Trubetzkoy جاكوبسن Jackobson، كارسوفسكي Karcevskij، وترونكا Trenka، وهافرانك Havrank، وقد تأثرو جميعا بالمفاهيم اللسانية المتصلة بالفونيم والتي اعتبرت فيما بعد قاعدة أساسية قامت عليها المبادئ الفونولوجية لهذه المدرسة، ميز رواد هذه المدرسة بين الفونتيك و الفونولوجيا. مبادئ مدرسة براغ: كان منطلق هذه المدرسة من تحديد اللغة باعتبارها نظاما وظيفيا، و قد ركزت على دراسة الوظيفة الأساسية للغة و المتمثلة في التواصل (فكيف يتم؟ لمن يوجه، و في أي مناسبة) و من مبادئ هذه المدرسة نذكر: اللغة واقعة اجتماعية أي ظاهرة طبيعية ذات واقع مادي، فهي تتصل بعوامل خارجية منها ما يتصل بالسامع و منها ما يتصل بالموضوع الذي يدور حوله الكلام، و عليه من الضروري التمييز بين لغة الثقافة و لغة الأدب و لغة الشارع. ضرورة دراسة العلاقة بين البنية اللغوية و المظاهر العقلية و النفسية الإنسانية التي توصلها هذه البنية. الاقرار بالاختلاف الموجود بين اللغة المنطوقة و اللغة المكتوبةن فلكل واحدة منها خصائصها المميز، و عليه من الضروري دراسة العلاقة الرابطة بينهما دراسة علمية. استثمار مفاهيم سوسير في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي، نحو التقابل النظام العلاقات التركيبية و الاستبدالية، ثنائية اللغة و الكلام...الخ على البحث الفونولوجي أن يتجه أولا إلى دراسة التقابلات الفونيمية لأنها ذات دلالة ومعنى على المستوى المورفولوجي، وعليه لا يجب فصل الظاهرة المورفولوجية عن الظاهرة الفونولوجية، فعادة ما ترتبط التقابلات الفونيمية بالتغيرات الصرفية. الصوتيات الوظيفية: لقد تميزت مدرسة براغ بالدراسة الصوتية ، أطلقوا على منهجهم في دراسة الأصوات اسم " الصوتيات الوظيفية و يعني هذا الفرع من الدراسة اللسانية بدراسة " المعنى الوظيفي للنمط الصوتي، ضمن نظام اللغة الشامل و استخراج كل الفونيمات و ضبط خصائصها، وينبغي هنا أن لا يخلط الدارسون بين الصوتيات ( Phonetics) والصوتيات الوظيفية Phonology" . ركزت مدرسة براغ على دراسة الصوت دراسة وظيفية وهذا ما يميزها عن الدراسات الصوتية السابقة و فيما يلي الفرق بين الفونتيك والفونولوجيا: الفونيتيك تعرف الصوت تعريفا عامًا باعتباره أصغر وحدة غير دالة تحمل صيفات تمييزية فيزيائية أو فيزيولوجية و تنقسم إلى ثلاث فروع أساسية هي: الصوتيات النطقية (articulatory-phonetics) وتعني بوصف الجهاز الصوتي ومخارج الاصوات أي بالمتكلم و الصوتيات السمعية (auditory-phonetics) وتعني بعملية تلقي الأصوات وإدراكها أي بالمستمع والصوتيات الفزيائية (acoustic phonetics) تدرس الجانب الفيزيائي الصرف المتمثل في انتشار الموجات الصوتية من فم المتكلم إلى أذن المستمع عبر ذبذبات صوتية معينة" ، بينما الفونولوجيا تربط تعريف الصوت بالوظيفة و بالدور الذي يؤديه العنصر في مدرج الكلام، فالفونيمات لا تحلل في الدراسات اللسانية الوظيفية انطلاقا من خصائصها الفيزيائية أو الفيزيولوجية فقط، إذ لايجب التوقف عند وصف الأصوات بالقول مثلا عن الأصوات /خ/ر/ج/: الخاء مجهور- رخو يندفع الهواء عند النطق به مارًا بالحنجرة، ولا يحرك الوترين الصوتيين أما الراء: فمرقق و مفخم مجهور، و يتميز بتكرار طرق اللسان للحنك عند النطق بها، و الجيم مجهور قليل الشدة. يندرج هذا النوع من المعالجة ضمن التحليل الفيزيائي للاصوات و هو يندرج ضمن الفونيتيك (علم الأصوات العام) الذي يقابله الفونولوجيا أي الصوتيات الوظيفية التي تهتم بدراسة وظائف الأصوات فيتم ضمنها تحليل الأصوات و هي دخل البنية اللغوية التي تنتمي إليها و بفضل هذا العلم أصبح من السهل التعرف على الفونيمات المختلفة التي ظلت لفترة طويلة متماثلة و ذلك من خلال مبدأ الاستبدال Commutation نحو خرج لا تتضح وظيفة الخاء داخل هذا التركيب إلا باللجوء إلى الاستبدال أي استبدال الخاء بأصوات أخرى خَرَجَ _ عرج – فرج – درج إن استبدال صوت الخاء بأصوات أخرى يؤدي إلى اختلاف دلالة الكلمة بالتالي فإن العلاقة بين خ، ع، ف، د هي علاقة تضاد فونولوجي و في كلمة Bonjour (غ-r) و Bonjour (ر-r) تقول أن العلاقة بين (ر-r) هي علاقة توافق فونولوجي لان عملية التبديل هنا لا تغير معنى الكلمة. ان الصوتيات الوظيفية في مدرسة براغ لا تختصر على النقاط التي قدمناها في هذه الصفحات وللاستفادة أكثر والاطلاع على أعمال روادها راجع كتاب أحمد مومن "اللسانيات النشأة و التطور". الجزء الثاني: النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة اسهامات اندري مارتيني: بالاضافة إلى مدرسة براغ التي اهتمت بوظيفة الأصوات نذكر اسهامات أندري مارتيني André Martinet ممثل البنوية الوظيفية في فرنسا. وظيفة اللغة عند مارتيني: إن الوظيفة الاساسية للغة هي التواصل ولها وظائف ثانوية تؤديها كالوظفة الجمالية في النصوص الأدبية. ينطلق مارتيني من اعتقاد مفاده أن اللغات ليس مجرد نسخ للأشياء كما هي في الواقع و إنما هي بنى منظمه تحلل الواقع وعليه فإن تعلم لغة جديدة ليس مجرد وضع علامات جديدة لأشياء معلومة في اللغة الأم، بل هو اكتساب لنمط جديد من التحليل هذا النمط هو الذي يميز اللغة الأم عن اللغة الأجنبية. بعض مبادئ التحليل الوظيفي عند "مارتيني": 1- التقطيع المزدوجDouble articulation : و هو تقطيع يمكننا من تحليل اللغة إلى وحدات نهائية ويتم هذا التقطيع على مستويين: المستوى الأول: يتم فيه تجزئة اللغة إلى وحدات لغوية دالة تسمى هذه الوحدات بالمونيمات (الكلمات) كقولنا: أشكو ألما في الرأس. أشكو/ ألما/ في/ ال/ رأس (مونيمات) المستوى الثاني: يتم فيه تقطيع المونيمات إلى وحدات غير دالة هي الفونيمات: أ/ش/ك/و/أ/ل/م/ا/ف/ي/ا/ل/ر/أ/س/. 2-مبدأ الاقتصاد اللغوي: قصد به مارتيني قدرة الإنسان على التعبير عن تجارب وحاجات لا حصر لها بأقل جهد ذهني، و الذي يساعد عل تحقيق هذا المبدأ التقطيع المزدوج الذي يجعل الوظيفة التواصلية تتم بعدد محدود من الفونيمات، في العربية مثلا نعبر عن تجاربنا دائما بعدد ثابت من الأصوات هي الأبجدية العربية، لأنه لا يمكننا أن نعطي لكل وحدة دالة صغرى إنتاجا صوتيا خاصا بها فذلك يلزمنا التمييز بين الآلاف منها نطقيا و سمعيا وهو شيء يفوق القدرة الإنسانية. و يتحقق هذا المبدأ من خلال المقابلة أو التقليب بين الفونيمات. 1- أنواع المونيمات عند مارتيني: المونيمات حسب مارتيني تختلف بعضها عن بعض من ناحية وظائفها في السياق وقد قسمها إلى ثلاث أنواع: أ‌- المونيم الحر: هي مونيمات تحمل دلالتها في ذاتها فهي حرة لا تتقيد بموقع معين إذ بإمكانها أن تأتي في بداية الجملة أو في وسطها أو في نهايتها، ولا يغير موقعها في الجملة من المعنى العام المراد من تلك الجملة. ومن أمثلة ذلك ظروف الزمان ب-المونيم المقيد: هو مونيم لا يحمل دلالة و لا يِؤدي دورا في التركيب إلا إذا كان في موضع خاص وأي تغيير في موقعه يؤدي إلى إختلال المعنى العام و من أمثلة ذلك المضاف إليه في اللغة العربية. ج- المونيم المساعد: سمي مساعد لأنه لا يحمل دلالة في نفسه لكنه يلعب دورا مهما في أداء المونيمات الأخرى لوظائفها و نذكر منها في اللغة العربية: حروف الجر- حروف العطف- أدوات النصب و الجزم بالإضافة إلى تمييز أندري مارتيني بين أنواع المونيمات نجده يميز أيضا بين أنواع المركبات. -أنواع المركبات عند مارتيني: أ- التركيب الحر: هو أساس التركيب الكلامي يعبر عن المعنى الأساسي ونجده في الجملة الإسمية مبتدأ وخبر وفي الجملة الفعلية فعل و فاعل قد يمتد إلى المفعول به أحيانا ب-التركيب المكتفي: وهو تركيب يتكون من وحدتين أو مونيمين فأكثر تجمعهما علاقة وثيقة، وتتحدد وظيفته من خلال دلالته الكلية في سياق التركيب و ليس بموقعه مثل الجار و المجرور. وقد تحدث "مارتيني" عن الإلحاق الذي يقصد به كل وحدة تضاف إلى المركب الحر. وقسمه قسمان الإلحاق بالعطف و الإلحاق بالتعلق. 2-التوليدية التحويلية: جاءت التوليدية التحويلية بعد أن بلغت البنوية ذروتها في نهاية الخمسينات، وقد ارتبطت بزعيمها نوام تشومسكي الذي تميزت أبحاثه بمنهجها العقلي والعلمي الرياضي الدقيق، وقد ركز في أعماله على ما يعرف بالقدرة اللغوية عند الفرد المثالي و هي قدرة تمكن هذا الأخير من إنتاج و فهم عدد لا متناهي من الجمل، و عليه يكون النحو التوليدي عبارة عن نظام من القواعد التي تتكرر لتوليد عدد غير متناه من البنيات . وهي قواعد تقوم على ثلاث مستويات أساسية هي المكون التركيبي والفونولوجي والدلالي وهي أساس النحو التوليدي. لقد نشأ بين الاتجاه التوليدي التحويلي والاتجاه الوظيفي صراعا كبيرا لكونهما يختلفان من حيث مبدئهما العام "يقوم النموذج التوليدي التحويلي على مبدأ استقلالية التركيب، ليس عن الوظيفة فحسب، بل عن أي دلالة أو تداول، وعليه يكون التفسير غير النحوي كالظروف و الملابسات الخارجية و مواقف الكلام و غيرها. قليل الأهمية لأن الظاهرة اللغوية تنضبط من حيث المبدأ بشروط نحوية خالصة قابلة لتشكيل على نحو محكم، و يتجسد بدقة في القواعد التحويلية في حين يرى الاتجاه الوظيفي أن الظواهر اللغوية على خلاف مستوياتها تحكمه في الحقيقة من حيث المبدأ عوامل غير لغوية، أي أن جل الظواهر اللغوية ليست إلا انعكاسا للوظيفة التبليغية" وقد تم انتقاد تشومسكي على هذا الأساس مما دفعه هذا الأخير إلى الاعتراف بأن قدرة المتكلم و السامع في الحقيقة قدرتان: قدرة نحوية و قدرة تداولية، و بدخول العامل التداولي إلى التوليدية التحويلية أصبحت نظريات النحوية الوظيفية تميز بين نوعين من النظريات نوع يدخل داخل الإطار التوليدي التحويلي و آخر ينشط خارجها ناقل: خيام خالد: https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/

  • بلاغة الحجاج | أشكال الحجاج | قياس وشاهد ومقومات عاطفية في اللغة العربية

    بلاغة الحجاج - د. محمد الولي ناقل المضمون بالإجازة (Forwarded with consent by ): Khaiyam Khalid. خيام خالد ابتداء أشكال الحجاج قياس شاهد مقومات عاطفية يذهب إ. أ. ريتشاردز إلى أن للغة وظيفتين : إحداهما تعبيرية، تكشف عن إحساس الإنسان بالعالم. والأخرى معرفية تسعى إلى وصف العالم بعيدا عن الاستجابات الذاتية. نلتقي في الحالة الأولى بالوظيفة المعرفية؛ ونلتقي في الحالة الثانية بالوظيفة الوجدانية. في الحالة الأولى يسيطر الخطاب العلمي النَّــزَّاع إلى الوصف والموضوعية وإبعاد كل أشكال التأثر الذاتي؛ وفي الحالة الثانية نلتقي بالخطاب الفني أي بالأدب عموما وبالشعر خاصة. هنا لا تصبح أبواب التعبير عن العواطف مفتوحة وحسب، بل إن التعبير الشخصي يصبح مقياس الأصالة والإبداعية، ويصبح المجال مفتوحا للكشف عن الأسلوب وبهذا المعنى نستطيع أن نفهم العبارة التي أصبحت اليوم مأثورة، ألا وهي الأسلوب هو الرجل. ومع هذا كله فإن إدراك الأبعاد المتعددة للغة هو أمر أقدم مما قد يتبادر إلى الأذهان لأول وهلة. ألم يذهب أرسطو نفسه في كتابه الخطابة إلى أن هناك ثلاثة أصناف من الخطابة؛ كما أن هناك ثلاثة أصناف من المستمعين، كما أن هناك ثلاثة أشياء ينبغي أن تراعى في الخطاب ألا وهي الخطيب وموضوع الخطاب والمستمع. إن الغاية النهائية هي هنا العنصر الأخير أي المستمع(1). إن نفس الفكرة الأرسطية التي تنظر إلى الخطاب من هذه الزوايا الثلاث هي التي نصادفها عند أغلب اللسانيين والسميائيين المعاصرين. ولنستعر من ميشيل مايير هذا الجدول التوضيحي . (2) الذات الموضوع الآخر ياكبسون الباث الرسالة المتلقي بوهليــــــر التعبير الموضوع الإقناع أوستين المخاطِـب الخطاب المخاطَـب أرسطو الخطيب النص المستمع إن تشديد رسالة ما على أي عنصر من هذه العناصر السالفة يؤدي إلى تلون الرسالة بلون خاص، أي يؤدي، حسب عبارة ياكبسون، إلى تحقق وظيفة ما. وهكذا فإن التشديد على عنصر المتلقي يؤدي إلى بروز الوظيفة الإفهامية. الأمر يتعلق، من هذا المنظور، بإحداث أثر ما في المتلقي. هذا التشديد على عنصر المتلقي هو الذي يؤدي إلى بروز الوظيفة البلاغية (سمها أيضا خطابية أوحجاجية أوإقناعية). هنا ينبغي أن نحذر من الوقوع في الالتباس. إن البلاغية هنا لا علاقة لها بالأسلوبية أو الشعرية. إن هذا المصطلح قد كان وما يزال يستعمل، إن في الشرق أوفي الغرب، وعلى نطاق واسع، بمعنى >الشعرية<. وعلى سبيل المثال لا الحصر ما تفعله جماعة لييج في كل ما تكتبه. أنظر مثلا بلاغة عامة وبلاغة الشعر حيث تترادف كلمة بلاغة مع الشعرية. ومع هذا لا نعدم احتمال الوقوع في لبس أخطر مما سبقت الإشارة إليه. ويتعلق الأمر بتعذر الفصل بين الوظيفتين. إن جان كوهن، يؤكد في كتابه الكلام السامي صعوبة الفصل بين الوظيفتين. فإذا كانت البلاغية تسعى إلى التأثير في المتلقي وتعديل حاله النفسية والفكرية، فإن الشعرية (أي الشعر أوخاصية الشعرية) تسعى إلى نفس الغاية. إن متلقى القصيدة لا يظل هو نفسه بعد الانتهاء من القراءة. فإذا كان تغيير الأحوال النفسية والفكرية هو غاية الأقوال الحجاجية أوالبلاغية فإن الشعر نفسه يحقق هذا الغرض. هنا تلتبس الوظيفتان. ومع هذا كله فإننا نسلم هنا بأن الوظيفتين متباينتان ومتعارضتان. إن المتحدث بمجرد ما يقوى حرصه على الإقناع يبادر بشكل عفوي إلى تجنب استخدام الشعر. إذا كان كل من الشعر والخطابة يستهدفان المتلقي، فإن ما يلتمسه الشعر من المتلقي شيء مختلف تماما عما تلتمسه الخطابة. الشعر في أجود نماذجه قد يترفع عن مهام الإقناع. وذلك لسبب بسيط وهو أن الرسالة تتحول بين يدي الشعراء إلى كيان لفظي سميك غارق في كل أنواع التعدد الدلالي. وربما كانت هذه من الأدوات الأساسية المعتمدة في الشعر. إننا لا نتصور قارئا للشعر متضايقا من هذا التعدد الدلالي. وحتى حينما نتصور أن هناك معنى ما، فنادرا ما يتفق الشعراء والقراء على المعنى المقصود في قصيدة ما. وهناك من يذهب إلى حدود أبعدمن هذه، لكي يقال إن الشعر لا يحيل على معنى ما. كل هم القصيدة أن تلفت نظرنا إلى وجودها وإلى جمالها. القصيدة حينما تنفلت من بين يدي صاحبها تعانق هوية جديدة ومستقلة عن إرادة مبدعها. والقارئ حينما يقرأها لا يستهلك احتمالاتها. إنها تغري في كل قراءة باحتمالية دلالية جديدة . وليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الخطابة. لم يمتدح أبدا الغموض في الخطابة، كما امتدح في الشعر. وقلما خطب الخطباء لمجرد إمتاع المستمعين. كما أن المستمع الذي يبحث عن المتعة الجمالية عند الخطباء يضل الطريق. وربما اعترض معترض لكي يقول : إن هناك خطباء يمتعنا أسلوبهم أكثر مما يفعل بعض الشعراء إن هذا ممكن، إلا أن هذه الإثارة هي مجرد تكئة إقناعية. إن ما نعتبره مقومات شعرية في الخطابة هي في الواقع مقومات حجاجية. هي حجج. إن الخطيب، حينما يستخدم الاستعارات في الخطابة فلا يفعل ذلك لأجل الإمتاع، وإنما يفعل ذلك لأجل الإقناع. لقد ذهب شيشرون إلى التمييز بين ثلاثة وظائف في الخطابة وهي الإفادة والإمتاع والتأثير(3). ومع هذا فإن هذه المتعة ليست مقصودة في حد ذاتها. إنها وسيلة لا غير. لا يمكننا ونحن نتناول هذا الأمر التغاضي عن رأي بيرلمان في هذا الموضوع. إن أي محسن في الخطابة لا يسعى إلى مجرد إمتاع المتلقي. إنه بالأحرى حجة إقناعية ولا يصبح محسنا إلا حينما يقصر عن أداء وظيفته الحجاجية. إن الخطيب يعبئ كل الإمكانات التي تتيحها اللغة، متجها نحو غرضه الرئيسي ألا وهو الإقناع. إن هذه الحجج اللفظية، من قبيل الاستعارة والتمثيل والجناس والوزن والسجع الخ، لا تعود محسنات إلا حينما تفشل في أداء مهمتها الإقناعية. هكذا يتضح إذن أن الخطابة تحرص على كسب المستمع إلى جانب الأطروحة التي يدافع عنها الخطيب. إن الغاية هي إذن تغيير حال المتلقي، وذلك بإخراجه من حالة المعارضة (أوعدم الإكتراث) لأطروحاته إلى حال قبولها والدفاع العملي عنها. الغاية هي إذن تغيير السلوك. وحينما يتم تغيير السلوك فهذا يعني أن الخطيب قد أنجز مهمته. إن البلاغة بهذا المعنى، قد تزامن ميلادها مع ميلاد الإنسانية، بل مع ميلاد الحضارة. إن الإنسان حينما قرر أن يستعمل اللغة كأداة لتغيير أحوال من يشاركهم في بناء المجتمع. وحينما قرر الاستجابة بالاستماع إلى أخيه الإنسان. وحينما قرر وضع كل شيء موضع حوار وتفاوض. وحينما رأى ضرورة معالجة الإختلاف وتعارض المصالح بالحوار، أي بالخطابة. في هذه الحالة كان الإنسان يحقق أخطر قفزة في حياته العقلية، وذلك بالتخلي عن استعمال العنف في معالجة مشاكله الحيوية. وبطبيعة الحال فإن اكتشاف الإنسان لطاقات اللغة الحجاجية لم تجعله يتخلى نهائيا عن نوازعه الهمجية، أي عن العنف. وليست الحروب بين الشعوب أوالحروب الأهلية أوبين الأفراد إلا ذلك الإرث الهمجي الذي كان فيه الإنسان يعالج التعارض مع أمثاله بالعنف لا بالعقل. ويبدو أن النهاية النهائية للعنف وتنصيب الخطابة بديلا للعنف، يحتكم إليها، هي وحدها، في حالات التعارض، هي نهاية بعيدة بل هي محال. ومع هذا فإن الإنسانية تحس في حالات كثيرة بأن هناك حاجة ماسة إلى التخلي عن العنف، واللجوء إلى الحوار أي إلى الخطابة). إن الإنسانية حين قررت اللجوء إلى الخطابة لمناقشة اختلافها لم تضع جانبا أدوات العنف، بل كثيرا ما نظرت إلى هذه الأدوات باعتبارها ضمانة لفعالية الخطابة. وفي هذه الحالات فإن الخطابة تصبح مجرد غطاء للتوحش. إن الخطابة لا تكون فعالة إلا حينما تتداول بين أطراف متكافئين في كل شيء بما في ذلك كفاءة الخطابة. وهذه الحالات المثالية لا يمكن أن تتحقق في مجتمع يقوم على التفاوت بين أفراده. إن التفاوت في الثروات يترتب عنه تفاوت في تملك وسائل الحوار والخطابة. يبدو أن ميلاد الخطابة قد تزامن مع ميلاد اللغة. إذ أن المتكلم يحقق حينما يتوجه بخطابه إلى مستمع ما، وظيفة أساسية ألا وهي تحويل حال المتلقي، إلا أن نظرية الخطابة قد تأخر ميلادها بعهود. هناك شبه إجماع بين مؤرخي البلاغة على أن ميلاد نظرية البلاغة قد تحقق في اليونان. فإذا كان أرسطو يعتبر أب المنطق الصوري فإنه من الزاوية الأخرى يعتبر أيضا أب المنطق الطبيعي، أي أب علم الخطابة. يقول شايم بيرلمان: لقد ميز أرسطو في الأوركانون نوعين من الاستدلالات، الاستدلالات التحليلية والاستدلالات الجدلية. إن الدراسة التي كرسها للأولى في التحليلات الأولى والثانية قد بوأته صفة أب المنطق الصوري. إلا أن المناطقة المحدثين لم يدركوا، لعدم معرفتهم أهمية ذلك، أن أرسطو قد درس الاستدلالات الجدلية في الطوبيقا والخطابة وتفنيد السفسطة. وهذا أيضا يجعله أب نظرية الحجاج. (4). وبعبارة أخرى فإن أرسطو قد اكتشف أن هناك إمكانية لوضع نظرية المنطق الطبيعي أو اليومي الذي يستخدمه الناس لأغراض عملية أونفعية مرتبطة بالمصلحة الإنسانية وبعواطف الناس وأهوائهم. لقد سبق لأفلاطون أن عبر بشكل صريح عن موقفه إزاء هذا المنطق أي إزاء الحجاج أوالخطابة باعتبارها أفكارا متلونة ومتغيرة تند عن كل ضبط. فلنستمع إلى ميشيل مايير وهو يختصر رأي أفلاطون في الخطابة أو البلاغة : وبالنسبة لآخرين، مثل أفلاطون، فإن البلاغة هي سفسطة، إنها لا تتوفر على أي شيء إيجابي. لقد كان السفسطائي يشبه المحامي القادر على اللعب على شتى معاني الكلمات والمفاهيم، إذا كان هذا يخدم أطروحته سواء أكانت صائبة أم خاطئة. إن السفسطة، بعيدا عن الالتزام بالصفات الأخلاقية للخطيب، تستطيع أن تبيع نفسها لكل القضايا، وقد تقدمت منذ البداية باعتبارها خطاب العاجزين، أولئك الذين لا يرون إلا النار وأولئك الذين لا يصنعون إلا الريح. إن التأهب للدفاع عن أي شيء يعني عدم معرفة أي شيء. وكرد فعل ضد البلاغة سيطور أفلاطون الفلسفة باعتبارها الخطاب الضروري (الأبوديكتيك) المتمركز على الصدق، الذ ي يجد معياره قبل أىة خاصية أخرى في إقصاء أي تناقض ممكن. ستصبح الميتافزيقا الجواب عن البلاغة، الجواب الذي يتجاهل أي تساؤل غير خاضع للصدق القضوي الضروري وغير المثير للنقاش. ماذا تصبح البلاغة في كل هذا غير الاستخدام (الآثم) للقضية ووهما بالصدق، وجهلا مغلفا؟ إن الخطاب الحقيقي أي اللوغوس لا يلتفت إلى الرأي والاحتمال واحتمال الحقيقة النقيضة، إن ذلك قد يكون بالتعريف خطأ. إن الصدق لا ينقسم وإلا فإنه لا يعود له وجود. إن الغموض وتعدد المعاني والانفتاح على تعددية الآراء لا تعود حينئذ إلا الكلمات الأساسية للعاجز الذي يجهد نفسه لكي يتحدث عن كل شيء ولكي يبعث الانطباع بأنه يعرف ما يتحدث عنه. إن الجدل حسب أفلاطون هو نظام من الأسئلة والأجوبة، وهو قبل كل شيء التعبير عن هذه الحقيقة الوحيدة التي ينبغي أن تنبثق من المناقشة، لأنها مفترضة فيه. إن هذا الانبثاق للمعرفة يقوم، بعيدا عن النقاش، على واقع ثابت، متكون من حقائق قائمة بشكل مسبق، أي أفكار يخضع لها الجدل والتي يكشف عنها هذا الجدل. إن البلاغة الحقيقية هي الفلسفة المحددة بهذه الطريقة. إن المشاكل الحقيقية لا تشكل موضوعا للمناقشة بالشكل الذي تتصوره البلاغة، إنها تشكل موضوع العلم إذ أنها لا تستسلم إلا لجواب واحد. إن الأجوبة المتعددة لا تعود إلى العلم لأنها تترك المشكل قائما، وتسلمه هو والإنسان الذي يقف عند تلك الحدود، إلى تسكع الآراء المتناقضة (5). يبدو من خلال هذا النص لميشيل مايير أن أفلاطون يدين البلاغة لأن مادتها الأولية التي تشتغل بها وتقوم عليها هي الرأي، ما يسمى في اليونانية دوكسا. وهو عبارة عن الأفكار التي تعتقد فيها عامة الناس وتتداولها في معاملاتها التي تجسد اجتماعية الناس. وبديهي أن الرأي لا علاقة له بما تعودنا عليه في المجال العلمي إن الرأي لا يقوم إلا لأن الناس يسلمون به ويقبلونه في ظل شروط عينية. وهو على كل حال لا يمكن أن يكون موضع إجماع الإنسانية. إن الرأي شديد الميوعة إنه يتلون بتلون الثقافات والمجتمعات واللحظات التاريخية والطبقات الإجتماعية. وليس لهذه الآراء أي سند غير أخذ الناس بها. وليس لها أيضا أي سند علمي أومنطقي أوتجريبي. إن رأيا ما قد يبدو أنه يرقى إلى مستوى الكونية من قبيل ضرورة احترام الآباء< لا نعدم موقفا يتعارض معه إذ إن من الناس من لا يلتزم بهذا الاحترام. بل ولا يرى ضرورته. ومن جهة أخرى فإن مفهوم الاحترام حتى حينما نسلم به ونتفق عليه، سرعان ما نكتشف أن الأمور ليست بهذه البساطة. فما يفهمه شخص ما من الاحترام ليس ما يفهمه شخص آخر. فقد يعتبر الأول الاحترام مجرد عدم الإزعاج أوالمضايقة. في أن الثاني قد يعتبر الاحترام تقديم كل العون والدعم الذي يتوقف عنه الآباء في حياتهم اليومية. وما نقوله مثلا عن احترام الآباء يمكن تعميمه على احترام الأبناء. مثل هذه الميوعة والتلون غير المحدود في الرأي هو المادة التي تتغذى منها البلاغة. البلاغة تعيش إذن على هذه الاحتمالية. كل شيء يغدو في البلاغة قابلا للنقاش. ولا أمل في هذا الميدان في قيام نوع من الاتفاق ناهيك عن الإجماع. ولنتأمل ما يجري حولنا اليوم في عالمنا المعاصر. إن مبادئ هيئة الأمم مثلا هي محاولة لتوحيد هذه المبادئ أوالرأي على المستوى الإنساني. يتعلق الأمر بمحاولة تحقيق نوع من الإجماع الشبيه بالإجماع العلمي. ولكن كم هي المرات التي نلاحظ فيها أن هذا التوحد هو مجرد سراب. إذ سرعان ما نلاحظ أن هذه المبادئ تتعرض لتأويلات متعارضة، بل متناقضة. حدث هذا في حرب الخليج وحدث في البوسنة وحدث في فلسطين. هذه الوحدة هي مجرد بلسم لجروح الإنسانية التي لن تندمل أبدا .هذا شيء طبيعي بل هو جوهر الإنسانية. إن الحالات القليلة التي تتوج بالاتفاق بين الناس تدعو إلى الاستغراب. وذلك لأن الحالة الطبيعية هي التطاح. والغلبة هي بالضرورة لا تكون لمن يتملك القدرة على الحجاج بل الغلبة تكون لمن يملك وسائل العنف. يقول مشيل مايير : إن الناس يتكاثرون باستمرار. وهم عرضة لانقسامات متزايدة. ولأجل حل مشاكلهم كثيرا ما لجأوا إلى الحرب. إلا أنهم بالإمكان أن يتحدثوا عن مشاكلهم لأجل التفاوض ومناقشة ما يجعلهم متعارضين. في هذه اللحظة يجدون أنفسهم في حاجة ماسة إلى البلاغة. إنها توهمهم بإلغاء الاختلافات بينهم، إلا أنهم مع ذلك، ينجحون وبشكل لغزي، في ذلك. كل أهمية البلاغة تكمن في هذا اللغز أوالسر(6). وبما أن الإنسان لا يكون دوما في حالة تسمح له، لسبب من الأسباب؛ للعجز مثلا أو للاقتناع، باختيار الحرب أوالعنف فإن البلاغة تصبح هنا حاجة حيوية. البلاغة بديل عن العنف. وهذا البديل لا يستند أبدا إلى الإنصاف. الإنصاف نفسه مجرد وهم البلاغة هي في جوهرها تدبير الاختلاف. وتصريف التنازلات التي لا تكون أبدا عادلة. بل إن قياس عدلها يظل أمرا مستعصيا. إن الوعي بضرورة البلاغة هو الذي قاد أرسطو إلى وضع نظرية في الحجاج بعد أن وضع نظرية المنطق الصوري. لقد أدرك أن هناك منطقا ما خفيا مختلفا عن المنطق المتعارف عليه عند العلماء. لقد ميز في سبيل ذلك الرأي من الحقيقة الأول هوأساس البلاغة أي الحجاج والثانية هي أساس العلم. فكما أنه من غير المقبول اعتماد الرأي في العلم فمن غير المقبول أيضا اعتماد الحقيقة في البلاغة. بل إن الأفكار بمجرد ما تتلبس لبوس الحقيقة تكف أن تكون مناسبة للبلاغة. البلاغة تظل مجال الاحتمالية لا الحسم. إن التأليف بين الآراء ينتج عنه الاستدلال الجدلي في حين أن التأليف بين الحقائق ينتج عنه الاستدلال التحليلي وهذه تمتاز بكونها برهانية وغير شخصية. إنها في غنى عن تزكية المتلقي. في حين أن الاستدلال الجدلي لا يكون فعالا إلا إذا كان متألفا من آراء مقبولة عند كل الناس أوعند الأغلبية أوعند الفلاسفة أي مقبولة عند الجميع، أوعند الأغلبية أوعند أخيارالناس وألمعهم. يقول شايم بيرلمان : إن الاستدلالات الجدلية تنطلق مما هو مقبول وهدفها هو العمل لأجل قبول أطروحات أخرى هي موضع نقاش أو يمكن أن تكون كذلك: إنها تسعى إلى الإقناع. وهي لا تكمن في الاستنتاجات الصحيحة والملزمة، ولكنها تقدم حججا مقبولة، إن قليلا أوكثيرا. إلا أنها لا تكون أبدا صورية. إن حجة مقنعة هي تلك التي تقنع ذلك الذي تتوجه إليه: إن الاستدلال الجدلي، على العكس من الاستدلال التحليلي، هو مشخص دائما، إذ أنه يثمن بحسب تأثيره في ذهن ما ( أي في شخص ما). وينتج عن هذا ضرورة التمييز تمييزا واضحا، الاستدلالات التحليلية من الاستدلالات الجدلية، إن الأولى تقوم على الصدق وتقوم الثانية على الرأي. إن كل مجال يتطلب نمطا خاصا من الخطاب، إنه لمن المضحك اكتفاء الرياضي بالحجاجات المعقولة، كما أنه من المضحك أيضا اعتماد الخطيب على البراهين الرياضية (7). ومع هذا كله ينبغي أن نعمد إلى نفي بعض الالتباس ويتعلق الأمر هذه المرة بالتمييز بين الجدل والخطابة. لقد كان أرسطو ينظر إلى الخطابة باعتبارها نوعا من الجدل. إنهما معا ينتسبان إلى نفس الحقل ألا وهو حقل الرأي. ومع هذا لم يفت أرسطو التمييز بينهما. إن الجدل أعم من الخطابة. يقول لامبروس كولوباريتيس: إننا نستطيع أن نقول إن الجدل يتجاوز عند أرسطو ،حقل الخطابة، إن هذه تمثل جزءاً وحسب من الجدل، في مقابل جزء آخر يخضع للنقد بمعناه الحصري. إن هذا الجزء الثاني هو وحده الذي يعود إليه فضل التفرغ للتحليل الفلسفي ولكل المعرفة ذات الطبيعة المبدئية لكي تشكل لحظة في المنهج الآبوريتيك. ولهذا نفهم لماذا عمد أرسطو في الميتافزيقا إلى التقريب بين الإجراء الفلسفي والنقد ولا يحيل نهائيا على الخطابة، التي تبدو بوصفها جدلا ينتسب إلى المجال الخاص للفعل (8). إن التفكير الفلسفي الذي يمثل النوع الأعم من الجدل بالتعارض مع البلاغة، يقلص من احتمالات تدخل الذات من جهة ويقلل أيضا من احتمالات تسخير الخطاب لغايات التأثير على المتلقي لاستمالته وبالتالي التأثير على سلوكه. هذا هو جوهرالاختلاف بين الجدل وبين الخطابة. وبهذا المعنى نفهم قول أرسطو: يبدو أن الخطابة قادرة على الكشف عن سبل الإقناع في أي موضوع (9) وبطبيعة الحال فإن هذا الإقناع الذي يتحدث عنه أرسطو لا يتعلق إلا بجنس معين ألا وهو ذلك المتعلق بإصدار حكم ما. ولا يتعلق الأمر بأي حكم كيفما كان وإنما يتعلق الأمر بتلك الأحكام التي تروم النصح والزجر أوالمدح والتأنيب أو الاتهام والدفاع. أي بالأحكام المنتسبة إلى أنواع الخطاب الثلاثة المخصوصة في الخطابة ألا وهي الخطابة الاستشارية والقضائية والاحتفالية. في هذه المجالات إذن ينبغي استخدام القياسات المضمرة والشواهد لأجل إقامة ما هو مقنع بغاية أن نبعث في المتلقي حكما لصالح ما يلتمسه الخطيب. وهنا يصبح مجال الخطابة الخاص محصورا بشكل صريح : إنه يتعلق أساسا بالمسائل المنتسبة إلى المجال الخاص للفعل(10). وهذا العوامل المحايثة المساهمة في تحقيق الإقناع منها ما هو، كامن حسب أرسطو، >في الطبع الأخلاقي للخطيب، ومنها ما هو كامن في استعدادات السامع ومنها أخيرا ما هو كامن في الخطاب نفسه من حيث إنه يثبت أو إنه يبدو أنه كذلك.<(11). أشكال الحجاج تميز البلاغة التقليدية بين نوعين من الحجج. الأول يمثل حججا غير صناعية. بمعنى أنه لا دور للخطيب في ابتكارها لأنه يعثر عليها جاهزة. ومن قبيل هذا الوثائق المكتوبة أوالنصوص القانونية أوالاتفاقات أو الاعترافات التي نحصل عليها بالتعذيب مثلا أوالقسم أو الشهود. وهذه الحجج تمثل أضعف الحجج في نظر أرسطو، إذ لا دور لابتكارية الخطيب فيها. بل إن الخطابة قبل أرسطو كانت تهتم بهذا النوع من الحجج غير النصية أي غير الصناعية. ولأمرما يذهب أرسطو إلى القول إن علم الخطابة الحق ينبغي أن يوجه كل عنايته إلى الحجج الداخلية التي يختزلها إلى جنسين. أحدهما هو القياس والثاني هو الشاهد. وهاتان هما الحجتان الأساسيتان القائمتان في الخطاب نفسه، مقابل الحجج التي تعتمد على طبائع الخطيب أوعلى طبائع المتلقي. القياس يقول أرسطو: إنني أسمي المضمر قياسا خطابيا، وأسمي الشاهد استقراءا خطابيا. إن كل الناس يبرهنون على إثبات ما إما بالشاهد أو بالمضمر، ولا يوجد غيرهما لأجل هذه الغاية(12). ويقول أيضا، إن أولئك الذين يكتبون اليوم عن الخطابة لا يهتمون إلا بجانب ضيق منها. إن الحجج هي وحدها التي تحظى بصفة الصناعية، وما عداها فهو مجرد أدوات مساعدة لا غير، والحال أن الدارسين لا يقولون أي شيء عن المضمر الذي يمثل جسد البرهان. وفي الكثير فإن تعليماتهم لا تتوجه إلا إلى أمور خارجية عن عمق المسألة (13). إن الذي يتوسل باللغة على سبيل الحجاج يجد نفسه مضطرا حينما يحاول أن يستعمل الوسائل الحجاجية الأصيلة في صناعة الحجاج مضطرا إلى استخدام جنسين من الحجج. يسمى الأول المضمر ويسمى الثاني الشاهد. ولا شيء يلزم الخطيب بهذا الجنس أو ذاك. إن هناك مقامات يصلح فيها الشاهد وهناك مقامات أخرى يصلح فيها المضمر. ولا يفوت أرسطو أن يجد هنا عمليتين مشابهتين للعمليات المنطقية أي الاستنباط والاستقراء. إلا أن الأمر يتعلق هنا باستنباط واستقراء خطابيين. إنهما بعبارة أخرى مقومان منتميان إلى دائرة المنطق العامي، لا العلمي. فإذا كنا في الاستنباط العلمي نجد أنفسنا أمام مثل هذه العبارات: " إذا كان أ = ب ، وكان ب = ج، فإن ج = أ" التي تمثل البرهان المنطقي الذي يسمى القياس وهو يقوم على الانطلاق من مقدمة كبرى تليها مقدمة صغرى ثم الاستنتاج في الأخير، أو أمام مثل العبارة الآتية التي تعتبر هي أيضا من قبيل العبارات المنطقية، أوالعلمية : كل الناس فانون، سقراط إنسان، إذن سقراط هو بالضرورة فان. إلا أن القياس قد يغدو خطابيا لكي يعبر عما لا يكون بالضرورة صادقا، أوعما هو مجرد احتمال أو مقبول أومسلم به عند العامة. إننا حينما نتناول المثال الآتي: نفس سقراط قصير إذن هو محموم. نقف على خاصيته المضمرة على مستويين وهما أولا إننا نستنتج من قصر نفس سقراط كونه محموما. والحال أن هذا مجرد احتمال. وثانيا إننا نلاحظ أن هناك أقوالا تم إضمارها ولم يصرح بها. ويحتمل أن تكون هذه الأجزاء هي التالية: كل إنسان محموم قصير النفس سقراط قصير النفس إذن سقراط محموم. إن هذه الأجزاء المحذوفة هي التي جعلت هذا القياس تلتصق به تسمية المضمر. ويبدو أن بعض الحجج قد تكون مقبولة من حيث الشكل إلا أنها من حيث المحتوى تعبر عن أمر مستنكر وليس مرفوضا وحسب. ومن هذا القبيل هذه العبارة التي وجهها إلى أبيه صبي في رواية تريستام شاندي للاورينس ستيرن: لماذا لا أستطيع أن أنام مع أمك؟ والحال أنك أنت تنام مع أمي. ومن الأمثلة على هـذا الـقياس الـمضمر هذا الشعار الذي رفعه الفرنسيون خلال الحرب العالمية الثانية في كفاحهم ضد النازية: الأقوياء ينتصرون (المقدمة الكبرى) نحن أقوياء (المقدمة الصغر) إذن نحن منتصرون (النتيجة). >إن الخطاطة الكاملة لتأليف الأفكار الرئيسية والأفكار الحجاجية هي القياس الذي يتألف من الأجزاء الآتية: القضية (تقديم الغاية البرهانية) "سقراط فان. البراهين وهي تسمى أيضا المقدمات (وهي جمل موضوعة قبل الاستنتاج) ويكون لموضوعاتها درجتان من الاتساع. المقدمة الكبرى والتي هي باعتبارها إضافة برهانية تفتتح بواسطة الأداة لأن وهي برهان لها موضوع ذو اتساع أكبر من موضوع القضية : "كل الناس فانون. المقدمة الصغرى والتي هي متعارضة مع المقدمة الكبرى تفتتح غالبا بأداة عارضة، والحال أن، هي برهان يكون موضوعه ذا امتداد أصغر من موضوع المقدمة الكبرى، الاستنتاج: سقراط فان. وفي أغلب الحالات، فإن القياس يختزل إلى جملتين أوثلاث من الجمل الأربعة المكونة. ويعتبر مع ذلك قياسا تاما حينما نذكر لمرة واحدة الفكرة الأساسية (كقضية أو كاستنتاج) مجتمعا مع البرهانبن. (...) وإن اختزالا أكبر من هذا يسمى المضمر. وهذا الاختزال يكمن في : اختزال الاتساع أي: في الاحتفاظ بالفكرة الرئيسية مع اختزال البرهانين في برهان واحد قد يقدم وقد يؤخر عن الفكرة الأساسية. وفي حذف الفكرة الأساسية، الشيء الذي يحول المضمر إلى تفخيم الفكرة. وفي حال عدم إمكان الإحاطة بالبراهين، (بغاية التحسين أو الإمتاع الجمالي)، فإن هذه يمكن أن تتوفرعلى دليلين أوعلى دليل واحد. هذا النقص يمكن أن يتمثل أىضا في غياب الوظيفة البرهانية عموما. إن الوظيفة السببية لهي واحدة خاصة فقط من (هو أكثر شيوعا ونموذجية في التحليل البلاغي) التأليف المفهومي عموما الذي يمكن أن يمس مفاهيم أخرى (المقارنة، التعارض، الغاية، النتيجة، الشرط، العلاقة الزمنية (14). ومع هذا يبدو أن أبسط طريق لتحديد القياس هو تعريفه بالتعارض مع المقارنة، أوالشاهد. الشاهد هناك التباس مصطلحي ينبغي تبديده قبل متابعة الحديث. يلتبس مفهوم الشاهد في الكثير بمفهوم التشبيه من جهة، وبمفهوم المقارنة من الجهة الأخرى. فإذا كان الأمر يتعلق عموما بالمشابهات، فإن هذه تستعمل في الشعر متجهة نحو إثارة المتعة لدى المتلقي من قبيل قول الشاعر بدر شاكر السياب: ينساب صوتك إلي كالمطر الغضير. إن مقارنة الصوت بالمطر لا يختلف من الناحية الشكلية عن الشواهد الخطابية. وذلك أننا ننتقل من خاص وهو صوتك إلى خاص آخر وهو المطر. وتظل الخاصية المشتركة العامة مضمرة هنا. إلا أنه هنا يتعالى عن الوظيفة الحجاجية لكي يتوجه إلى إثارة إحساساتنا وإمتاعنا جماليا. يستحسن أن نتحدث في هذه الحالة عن التشبيه. ونفرد مصطلح المقارنة بالاستعمال للدلالة عن هذا المقوم الذي يستخدم كأداة للمقارنة الكمية. إن المثال هو أشقر مثل أبيه لمن قبيل المقارنات الكمية التي لا مجال للاختلاف بصددها. إن الشاهد هو حسب العلامة الألماني هنريش لاوسبيرغ: مجال محصور من التشبيه ويقووم على حدث ثابت تاريخيا (أسطوري أو أدبى) يوضع في وضع المقارنة مع الفكرة الموضوع. فإذا كان الشاهد مستعملا على سبيل الصدق باعتباره علاقة تاريخية دالة لواقعتين تاريخيتين فإننا في هذه الحالج نتحدث عن النمط. يمثل الشاهد الجنس الثاني من الحجج التي يعتبرها أرسطو عمدة فن الحجاج. فإذا كان التاريخ يعلمني أن الطاغية (س) قد أحاط نفسه بحرس شخصي واتخذ لنفسه مسكنا محصنا، وأن الطاغية (ي) قد فعل نفس الشيء وكذلك (ز) فإنني أستقريء هذه القاعدة العامة بأن السلطة الطغيانية تتكيء على امتلاك حرس شخصي وعلى مسكن محصن. وفي الحالة التي أريد أن أبين فيها بأن مواطنا يتخذ له حرسا شخصيا ويتخذ له مسكنا محصنا يهدد الديموقراطية، فإنني أستطيع أن أتوسل بالشاهد. إن فلان الذي يتخذ له حرسا شخصيا والذي يتخذ له مسكنا محصنا، ينزع إلى الطغيان، لأن هذا ما ما فعله (س) و(ي) و (ز). قبل أن يصبحوا طغاة. وبالإمكان أن أعتبر القاعدة العامة مقبولة فأعمد إلى القياس المضمر: إن فلان الذي يتخذ له حرسا شخصيا ويتخذ له مسكنا محصنا ينزع إلى الطغيان إذ دائما يقوم الطغيان بهذه الطريقة. إن أهم أقسام الشاهد التي تحدث عنها أرسطو هي الشاهد التاريخي والشاهد الشعري والشاهد الاحتمالي. إن الشاهد التاريخي هو الذي يحصل في أغلب الأحوال، إذ أنه يعتمد على الحقيقة وهو تبعا لذلك الأكثر إثارة للتصديق. لا ينبغي أن نترك ملك الفرس الأعظم يستولي على مصر إذ أن داريوس استطاع، بعد أن احتل مصر، أن يتمكن من أوروبا وكذلك فعل كركيس. ويقوم الشاهد المبتكر على تخيل شبيه مماثل للحالة المطروحة للنقاش. إن القضاة لا يتم اختيارهم بواسطة القرعة إذ أنه لا يمكن تعيين ربان السفينة على سبيل القرعة، ولكن يتم اختيار ذلك الذي يتقن القيادة. إن الخرافة يتم اختيارها هي أيضا لتشابهها مع الموضوع المطروح. إن إيزوب، كما يحكى قد نهى شعب ساموس عن العقاب بالموت ديماغوجيا. واعتمد في نصيحته تلك على الخرافة الآتية في يوم من الأيام سقط الثعلب في إحدى الهاويات وبدأ لتوه القراد في مص دماءه إلا أنه رفض العرض الذي قدمه له القنفذ والـمتمثل في تخليصه من هذا القراد قائلا له إن هذا القراد قد أصبح الآن متخما، وإذا انتزعتها فإن أخريات جائعات سيحضرن لكي يشربن ما تبقى من دمائي. كذلك يستنتج إيزوب، فإن هذا الرجل لن يلحق بكم المزيد من الأذى، إذ أنه قد أثرى. وإذا تمت إدانته فإن آخرين فقراء سيحضررون، سيسرقونكم ويستهلكون آخرالأملاك العامة (15). والواقع أن الشاهد المبتكر هو الذي يسمى الاستعارة الترشيحية بل يسمى التمثيل. وتسمى في البلاغة الغربية الأليغورية أي الاستعارة المسترسلة التي تكون كل عناصرها مجتلبة من نفس الحقل الدلالي. إن المتنبي في البيت التالي : نامت نواطير مصر عن ثعالبها قد بشمن وما تفنى العناقيد لم يكتف باستعارة النواطير مفردة بل صاحبها بمجموعة متكاملة من الدلائل المشكلة لحقل متكون من الكروم وما يلازمها من الحراسة وتهديد الثعالب والتخمة وطلب المزيد بل وتوفر هذا المزيد وسكوت بل وتقاعس الأهالي عن رد الثعالب. إلا أن المتنبي لم يكن يقصد بطبيعة الحال وصف هذا الحقل، وإنما كان يقصد إلى وصف حقل آخر شبيه هو حقل السلطة والشعب والتسلط والاستكانة. إننا نجد أمام كل عنصر من هذه العناصر ما يقابله في الطرف الآخر. إن الثعالب تقابل المتسلطين من الحكام. والنواطير تقابل الشعب، والعناقيد تقابل الثروة. وبشمن تقابل الشبع. هذه هي الأليكوريا كتلتان من الدلائل المتماسكة والمشكلتين لحقلين دلالين تربطهما علاقة مشابهة ما يسهل إدراكها. ولهذا كثيرا ما اتخذت دعامة لتوصيل الأفكار. الشيء الذي لا يمكن أن تضطلع به الرموز. ومما يمكن أن يرتبط بهذا المقوم التي هي عبارة عن أليكوريات غامضة. ومن قبيل الشاهد المبتكر المقابل لما سمي سابقا الخرافة ما نجده عند أحمد شوقي في قصيدته سليمان والهدهد. هذا التقنية المسماة الشاهد بصيغتيه المعروفتين ألا وهما المبتكر والخرافي هما القنطرة القوية الرابطة بين الحجاج والأدب. إن الشاهد ليس مجرد أداة حجاجية وحسب غايتها الإفادة، بل إنها بالإضافة إلى الفائدة تضطلع بدور الإمتاع. وما الإمتاع إلا الأدب؟. في هذه الجناح من صرح الخطابة، يقوم هذا الكائن الغريب الذي يسمى الشعر. ولأمر ما يسمى هذا الشاهد تارة شعريا ويسمى طورا آخر مبتكرا. ولا يعني الابتكار في اليونانية إلا الشعر. إن القياس المضمر، أوباختصار، المضمر والشاهد هما المقومان الأساسيان في الحجاج. يقول أرسطو >يبرهن كل الناس على إثبات ما باعتماد الشواهد أو المضمرات، ولا يوجد شيء خارج هذين المقومين< (16) المقومات العاطفية تعرضنا فيما سلف للمقومات الحجاجية العقلية أو شبه المنطقية إذا صحت العبارة. أو بعبارة أخرى المقومات النصية. إلا أن الخطيب يلتجىء إلى نوع آخر من المقومات الذاتية أو المحايثة. وتتعلق هذه بالمقومات الذاتية أو الانفعالية. لا يتعلق الأمر هنا بالمقومات الذاتية للخطيب كما نعرفه في الواقع ولكن يتعلق الأمر بتلك الملامح الشخصية كما تتحقق خلال إلقاء الخطبة. وهذا الجانب الانفعالي للخطيب يختلف اختلافا جذريا عن ملامح الخطيب في حياته الواقعية. وذلك يعود بكل بساطة إلى كون هذه الملامح الواقعية الثابتة في الخطيب لا تمثل علامة من علامات الابتكار. الأحوال الانفعالية المقصودة هنا هي تلك المظاهرالشخصية أوالطبعية التي يظهر بها الخطيب خلال إلقاء خطبته. هذا المظهر الآني الذي يتكلفه الخطيب جزء مهم من الأدوات الإقناعية. إن تطويع مظهر الخطيب للغايات المقصودة من شأنها أن تسعف الغاية الإقناعية إذا تمكن الخطيب من الاستثمارالجيد لكفاءاته؛ بل إننا نستطيع أن نقول إن هذا المظهر قد يكون حاسما في بعض الحالات. إن مظهر الخطيب في حد ذاته بغض النظر عن حججه كثيرا ما عوض الحجة. بل إننا نستطيع أن نزعم إن المظهر هنا في حد ذاته قد أصبح حجة مقنعة. يقول جاك لوكومت: لقد أظهرعديد من الدراسات في مجال علم النفس التجريبي أن الرجال والنساء ذوي المظهر الجسدي الجذاب يعتبرون في غالب الأحيان أذكياء وطيبين ومقتدرين، وهذا يرفع من قدرتهم الإقناعية. إن هذا الإقرار يتجاوز حدود المختبر وهو يوجد في الحياة اليومية. لقد كشفت دراسة كندية، بمناسبة حملة سياسية، بأن المرشحين الجذابين قد حصلوا على معدل من الأصوات يبلغ الضعفين والنصف مما حصل عليه الآخرون. ومع ذلك فإن 73% من المصوتين المستفسرين قد نفوا أن يكون اختيارهم متأثرا بالمظهر الفزيائي للمرشح. وبشكل أعم فإذا لم يكن الشخص المصدر جذابا فإن التأثير يظل خاضعا على وجه الخصوص لجودة الحجاج. وإذا كان جميلا، فإن المستمع يأخذ بعين الاعتبار هذه الخاصية أكثر مما يأخذ بعين الاعتبار محتوى الرسالة< (17). وهذه الحجة هي التي تسمى حجة السلطة. حيث أن فكرة ما تعتبر مقبولة لمجرد أن قائلها هو يتمتع بنفوذ ما سياسي أو اجتماعي أو علمي أو وراثي أو جسدي . إن أطرف المباحث في البلاغة الغربية هو المبحث المتعلق بالمتلقي، أي بما يسميه أرسطو مبحث الباطوس. وهذا الأمر مفهوم إذ أن المسألة هي في النهاية إقناع المتلقي بأطروحة ما. إن تحديد البلاغة نفسها ينطوي على إعلاء من شأن هذا العنصر. إننا نكرس كل الأدوات لأجل الوصول إلى هذه الغاية التي هي تغيير حال المتلقي ودفعه في اتجاه تبني موقف ما. وربما إلى تطبيقه. بهذا يتضح أن هذا العنصر لا يمكن أن يقارن بأي عنصر من العناصر الأخرى إذ أنها كلها تصب فيه. والأهم من هذا وذاك أن البلاغة تطمح إلى إنجاز وظائف ثلاثة وهي الإفادة والإمتاع والتأثير. تتمثل الإفادة في شيئين اثنين: أولهما يتمثل في تلقي كل المعلومات المتعلقة بملف قضية ما. هنا نلتقي في الحقيقة بالمادة الخام للأحداث كما يتصور أنها قد وقعت. والواقع أن الخطاب يوجه هنا إلى العقل. ويطلب من هذا السرد أن يكون موضوعيا وصادقا. وثانيهما يتمثل في ما نضيفه إلى هذه المادة الخام من الحجج ووسائل الإقناع. ويتمثل الإمتاع في نفي كل عناصر الملل عن المتلقي. ذلك الملل الذي يمكن أن يتسبب فيه ثقل المادة المحكية وجفاف الحجج المخاطبة للعقل. إن تعاطف الجمهور مع الخطيب ومع موضوع الخطابة يحصل بواسطة رابط عاطفي متصل بموضوع الخطابة بين الخطيب والجمهور. إن كسب عطف الجمهور يكتسب أهمية بالغة في مقدمة الخطابة وفي نهايتها. ففي البداية يسعى الخطيب إلى جذب انتباه المتلقي باخراجه من حالة عدم الاكتراث وفي الخاتمة يسعى الخطيب إلى الدفع بالمتلقي في اتجاه تبني موقفه وترجمته إلى فعل وممارسة. إذا جاز لنا أن ندعي أننا قد استنفدنا مباحث البلاغة التي هي الباث والمتلقي والنص، فإن البلاغة في هذه الحدود تنفتح على مجال خصب وهو مجال بناء النص والصياغة اللغوية أي الأسلوب. ولعل الخوض في هذا المجال يتطلب حيزا أعرض مما نتوفر عليه هنا الآن .وتلك قصة أخرى. الهوامش 1- Aristote, Rhétorique , livre de poche , 1991 , p. 93 2- Michel Meyer , Questions de rhétorique , livre de poche , 1993 , p. 23 3- Olivier Reboul , Introduction à la rhétorique , P U F , 1991 , p. 7 4- L'empire rhétorique , ed , Vrin. 1977, p . 15 5- Meyer , M , op. cit. p 14 6- المرجع السابق، ص. 5 7- شايم بيرلمان، المرجع السابق، ص ص. 16-17 8- De la métaphysique à la rhétorique, Ed.Université de Bruxelles, 1986 p. 116 9 -الخطابة ت. ع . بدوي، دارالشؤون الثقافية، بغداد، 1986، ص. 29 10- كولوبارتيس المرجع السابق ص 107 11- Rhétorique , p. 83 12- نفسه، ص. 85 13- نفسه، ص. 76 14- Heinrich Lausberg, Elementos de retorica literaria, Ed. Gredos, Madrid, 1975, pp.37-38 15- Michel Patillon: Eléments de rhétorique classique, Nathan, 1990, pp.37 -38 16- Rhétorique p 85 17-Emetteur, message, récepteur: les trois facteurs de la persuaion, in sciences humaines, n! 38, avril 1994, p .20 مجلة عــلامات العدد 5 - 1996 ضمن العدد المحتــوى الافتتاحيـة قراءة في رواية شجرة الخلاطـة: د. حميد الحميدانـي القناع بين المقدس والمتخيل المسرحي: حسن يوسفـي عن انتحار جيل دولـوز: إدريس آيت الزمزامـي المرأة والأفعـى والشيطان: إدريس جبـري محـور العـدد: بلاغة اللفظ والصـورة الشعرية العربية: تاريخ موجـز: جمال الدين بن الشيخ - ترجمة: ح. مبارك، م. الولي، أ. أوراغ الهزلي والشعـري: جان كوهـن، ترجمة: محمد العمـري بلاغـة الحجـاج: محمد الولـي الصـورة الثابتـة: غي غوتيي، ترجمة: عبد العلي اليزمي - سعيد بنگـراد الإرسالية الإشهارية: سعيد بنگـراد نظرة حول الفوتوغرافيا بالمغرب: عبد الكريم الشيگـر الصورة والذات والمعنى: عبد الرحيم كمـال مشهد من الأرض المشـاع: كمال بلاطة، ترجمة: خالد التوزاني الصورة: جوديت لازال، ترجمة: حميد سـلاسي من موقع سعيد بنكراد

  • النظرية الخليليــــة الحديـــثة عند عبد الرحمن الحاج صالح

    ==================== "النظرية الخليليــــة الحديـــثة" عند عبد الرحمن الحاج صالح ==================== ترتیب: مقدمة محطات في حياة العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" النظرية الخليلية الحديثة مشروع الذخيرة اللغوية العربية مقدمة: تقول النظرية الفلكية: إن ما نراه في السماء من نقاط مضيئة في الليل البهيم ونحسبها نجوما، إنما هي مواقع لنجوم غادرت أماكنها منذ أمد بعيد، وبقيت أماكنها مضيئة متلألئة لملايين السنين، والنظرية نفسها يمكنها أن تصلح للتعبير عن العلماء الذين يغادرون الحياة الدنيا جسدا وروحا، ولكنهم يخلفون وراءهم آثارا تشع بنور إبداعاتهم، وتورث العلم، والأدب للأجيال من بعدهم. لقد غادرنا إلى جوار ربه بتاريخ: 05/03/2017 قامة من القامات العلمية المغاربية، والعربية التي شهد لها المحفل العلمي العالمي، والعربي الإسلامي بالتميز، والنشاط، والتجديد في ميدان اللسانيات؛ إنه العلامة البروفيسور اللغوي الجزائري "عبد الرحمن الحاج صالح" رئيس المجمع الجزائري للغة العربية. وانطلاقا من المكانة العلمية الرائدة لهذه القامة العلمية العربية يكون من واجبنا نحن كمثقفين أولا، وأكاديميين ثانيا أن نترحم على روح هذه الشخصية العلمية ببيان محطات هامة في حياته، وتثمين إسهاماته العلمية التي ستبقى خالدة في التاريخ. 1. محطات في حياة العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح”: ولد عبد الرحمن الحاج صالح بمدينة وهران في 08 جويلية 1927م، وهو من عائلة نزحت من قلعة بني راشد المشهورة إلى وهران في بداية القرن التاسع عشر، تلقى تعليما مزدوجا باللغتين الفرنسية في المدارس الحكومية الفرنسية، واللغة العربية في إحدى المدارس الحرة الجزائرية التي أنشأتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. بدأت علاقة العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" باللغة العربية عام 1954 عندما سافر إلى مصر لمواصلة دراسته، أين وجدت في البيئة المصرية مناخا مناسبا للاقتراب من اللغة العربية، فراح يتردد على جامع الأزهر الشريف، ويحضر بعض دروس اللغة العربية، أين اكتشف ذاته من جديد، وتعرف على تراث لغته العربية، فصرف اهتمامه إلى الدراسات اللغوية المعاصرة، وهناك اكتشف أهمية التراث العلمي اللغوي العربي من خلال ما اطلع عليه من كتب لغوية تراثية، واتضح له الفرق الكبير بين وجهات النظر الخاصة بالنحاة العرب الأقدمين، وما يقوله المتأخرون منهم، وكان هذا دافعًا مهمًّا في حياته العلمية، ويبدو أن انخراطه في حزب الشعب الجزائري وهو في عمر 15 سنة. ثم التحاقه بثورة أول نوفمبر الخالدة كان من بين الأسباب التي ربطته إلى تراثه العربي الإسلامي الذي كان منهلا استقى منه معارفه، وموردا غذى رصيده اللغوي الذي طوره بعد ذلك في نظريته اللسانية. ولكن الظروف حالت دون إتمام العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح ” دراسته في مصر، فسافر مرة أخرى إلى فرنسا، وانتسب إلى جامعة بوردو (BORDEAUX)، ثم نزل بعدها بالمملكة المغربية الشقيقة، والتحق هناك بثانوية “مولاي يوسف” في الرباط كأستاذ للغة العربية، واغتنم الفرصة لمواصلة دراسة فتحصل على شهادة التبريز في اللغة العربية، وتكرّم عليه الإخوة هناك في المملكة المغربية فأوكلوا إليه تدريس اللسانيات في كلية الآداب بالرباط باللغة العربية في 1960، وكان هذا الاختصاص يدرس أول مرة في المغرب العربي. وبعد الاستقلال عاد العلامة “عبد الرحمن الحاج صالح” إلى أرض الوطن، وعُين أستاذًا في جامعة الجزائر، التي صار بها رئيسًا لقسم اللغة العربية، وقسم اللسانيات سنة 1964، ثم انتخب عميدًا لكلية الآداب، وبقي على رأس هذه الكلية إلى غاية عام 1968، وفي السنة نفسها كان يمثل الجزائر والعرب كأستاذ زائر بجامعة فلوريدا (Florida) بالولايات المتحدة الأمريكية أين التقى بالعالم اللساني آنذاك الأمريكي نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، وكان بينهما حراك علمي ترجم في مناظرة حول المسائل اللسانية. كان البحث العلمي الشغل الشاغل للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" الذي تفرغ للدراسة، والبحث في علوم اللسان بعدما دعا اللسانيين، والباحثين في العالم العربي إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي بمنظار علمي بعيد عن التعسف، والاستنطاق، والاعتباط في التأويل. وكانت الفترة التي شغل فيها الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزيرا للتربية والتعليم في الجزائر آنذاك أهم مرحلة في تاريخه العلمي، أين مكنه الوزير من إنشاء معهد كبير للعلوم اللسانية، والصوتية، وجهزه بأحدث الأجهزة، وأوكل إليه تأسيس مجلة اللسانيات. وكان معهد العلوم اللسانية والصوتية المختبر الذي سمح للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" بالكشف عن "النظرية الخليلية الحديثة"، التي طرحها في رسالته العلمية التي نال بها دكتوراه الدولة في اللسانيات من جامعة السوربون (Sorbonne) بفرنسا عام 1979. عُيِّن العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" عضوًا في مجمع دمشق عام 1978، ومجمع بغداد عام 1980، ومجمع عمّان عام 1984، وعضوًا مراسلاً بمجمع القاهرة عام 1988، ثم انتخب عضوًا عاملاً به سنة 2003م في المكان الذي خلا بوفاة الدكتور إبراهيم السامرائي، وهو عضو في عدة مجالس علمية دولية وعضو أيضًا في لجنة تحرير المجلة الألمانية التي تصدر ببرلين، وله 71 بحثًا ودراسة نشرت في مختلف المجلات العلمية المتخصصة (بالعربية، والفرنسية، والإنجليزية) مما رشحه إلى الحصول على عدة جوائز تشجيعية تقديرا لنشاطه العلمي في الجزائر وخارجها، وكان أبرزها جائزة الملك فيصل للّغة العربيّة والأدب سنة 2010 تقديرا لجهوده العلمية المتميزة في تحليله النظرية الخليلية وعلاقتها بالدّراسات اللسانية المعاصرة، ودفاعه عن أصالة النحو العربي، وإجرائه مقارنات علمية بين التراث ومختلف النظريات في هذا الموضوع، بالإضافة إلى مشاركاته في الدراسات اللسانية بحثا، وتقويما، وتعليما. 2. النظرية الخليلية الحديثة: تقوم النظرية الخليلية الحديثة للعلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" على تعريف الدارسين بخصائص علوم اللسان العربي، ومضامينه النوعية انطلاقا من مقولات اللسانيات الحديثة. وقد أثبتت هذه النظرية أهمية قراءة التراث العربي الذي يمثل مستخلصات ثمانية قرون أو تزيد من مخاض التفكير اللغوي عند العرب في ضوء النظريات اللسانية الحديثة، وهذا يعني أن المفاهيم النظرية الأساسية للنظرية الخليلية الحديثة اتجهت إلى إعادة قراءة التراث اللغوي العربي الأصيل، والبحث في خفاياه، ليس انتصارا للقديم، ولا هدما للحديث في ذاته، ولكن بغية التنبيه إلى الطفرة التلقائية المفاجئة التي أحدثها “سيبويه”، وشيوخه، وتلاميذه في تاريخ علوم اللسان البشري بعد أن تحامل عليهم كثير من الدارسين المحدثين الذي تأثروا بالمناهج الغربية الحديثة، ونظروا إلى النحو والصرف العربيين بمنظار قاصر بدعوى أنهما "معياريان"، وأنهما بعيدان عن التصور العلمي للغة، وكان العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" قد فند في أحد محاضراته فكرة انتصاره للقديم، عندما سُئل: هل أنتم من المحافظين؟ فأجاب: ”لست محافظا ولا مجددا، ولكن أبحث عن المفيد. اكتشفنا في القديم شيئا عظيما لم نجده في الحديث، ولو اكتشفناه في الحديث لأخذنا به". لقد سعت النظرية الخليلية منذ ظهورها إلى بعث الجديد عبر إحياء المكتسب، فتجاوزت بذلك مرحلة الاقتباس السلبي عند نقلها عن الغرب، أو عند نشرها عن العرب ، وبنت قراءتها للتراث وتأصيل أفكاره علميا، بعيدا عن العاطفة على أساسيين، أولهما: أن التراث العربي لا يفسره إلا التراث العربي، فكتاب “سيبويه” على سبيل المثال لا يفسره إلا كتاب “سيبويه”؛ لأنه من المحال أن نُسقط على التراث مفاهيم، وتصورات لا تأخذ في الحسبان خصوصياته. وثانيهما: أن التراث العربي في العلوم الإنسانية عامة، واللغوية خاصة ليس طبقة واحدة من حيث الأصالة والإبداع. كما تعلقت النظرية الخليلية الحديثة للعلامة “عبد الرحمن الحاج صالح” بالتراث العلمي اللغوي الأصيل الذي خلفه أولئك العلماء العرب المبدعون الذين عايشوا الفصاحة اللغوية الأولى، وشافهوا فصحاء العرب، وجمعوا اللغة، ودونوها خدمة للنص القرآني المقدس الذي كان يحتاج إلى الفهم، والتفسير، والتعليل في ضوء اللغة العربية النقية. إن المتأمل في التراث اللغوي العربي يشهد بوضوح اهتمام العلماء العرب القدامى في تحليلهم للظاهرة اللغوية على مفاهيم، ومبادئ لغوية كان لها دورها العظيم في تفسير العلاقات المعقدة المجردة الكامنة وراء اللغة، وكان لها أثرها في تطوير المفاهيم حول الظواهر اللغوية؛ لأنه « من الغريب جدا أن تكون هذه الأعمال [ اللغوية ] التي لا تضاهيها إلا ما أبدعه العلماء الغربيون في أحدث أعمالهم، مجهولة تماما في كنهها، وجوهرها عند كثير من الدارسين، والاختصاصيين المعاصرين » . 3. مشروع الذخيرة اللغوية العربية: يعد العلامة "عبد الرحمن الحاج صالح" واحد من أهم الباحثين العرب الذي دعوا إلى تبني المنهج البنيوي من خلال مشروع الذخيرة اللغوية العربية عن طريق البرمجة الحاسوبية، وإنشاء جوجل عربي أو البنك الآلي العربي. ويعتمد مشروع الذخيرة على وسائل التكنولوجيا الحديثة (الحاسوب، شبكة الإنترنيت..)، بحيث يتم تخزين، وحيازة الكتب، والمؤلفات العربية القديمة، والحديثة التي لها صلة بالتراث اللغوي العربي بواسطة الحواسيب، وبعد ربطها بمحرك بحث يتم وضعها تحت تصرف كل باحث، ومتطلع عبر موقع في الإنترنيت، وكانت أول فرصة عرض فيها فكرته في مؤتمر التعريب الذي انعقد بالعاصمة عمان سنة 1986. فأوضح أهمية المشروع في البحوث اللغوية والعلمية، خاصة على مستوى توحيد المصطلحات، ورصد المفاهيم، واستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة. وقد عرضت الجزائر "مشروع الذخيرة اللغوية العربية" على المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم في ديسمبر 1988 فوافق أعضاؤه على تبنيه في حدود إمكانيات المنظمة، ونظمت جامعة الجزائر مع المنظمة العربية للتربية، والثقافة، والعلوم في ماي 1991 أول ندوة للمشروع شارك فيها بعض ممثلي الهيئات العلمية العربية، وخرجوا بتوصيات تخص تنظيم العمل، وكيفية المشاركة، ورصد هيئات المتابعة، ومنه تقرر تنظيم ندوة ثانية تجتمع فيها المؤسسات الراغبة في إنجاز المشروع، وتقرر أن يستضيف الندوة مركز البحوث والدراسات العلمية بدمشق سنة 1995. ولكن ذلك لم يحصل، ثم كانت هناك عدة اجتماعات، وندوات، وملتقيات لحصر الأطراف المشاركة أو كيفية مشاركتها أو إقناع بعض الهيئات لتبني المشروع، ومن أهم تلك الندوات هي: الندوة الدولية حول حوسبة الذخيرة اللغوية العربية المنعقدة بالجزائر من 03 إلى 05 نوفمبر 2001، والتي شارك فيها عدة باحثين ودارسين عرب من الجزائر، تونس، المغرب، مصر، الأردن، والكويت، والتي دارت محاورها حول أهمية المشروع، وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة لخدمة المشروع، وتطويعها من أجله، من أجل فعالية أكثر"، ومن حسن حظ المشروع أن تبناه المجمع الجزائري للغة العربية، فنظم المجمع بالمشاركة الجزئية لجامعة الجزائر ندوة تأسيسية انعقدت في الجزائر بين 26 و27 ديسمبر، وجمعت تسع دول عربية، وكان آخر اجتماع في السودان بجامعة الخرطوم سنة 2002 أين تقرر أن يقدم اقتراح إلى جامعة الدول العربية للتكفل بالمشروع، وفيه تمت تسمية المشروع بـ:”مشروع الذخيرة العربية" بعد أن كان يسمى بـ: “مشروع الذخيرة اللغوية العربية". فالمشروع وإن كان في أصله لغويا إلا أنه يتجاوز الجانب اللغوي لشموليته، والمشروع لا ينظر إلى اللغة العربية وآدابها فقط ولا إلى العلوم اللسانية وحدها، وإنما ينظر إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، والعلوم الأساسية، والتكنولوجيا؛ لأن اللغة هي وسيلة الباحث في العلوم. وفي 14 سبتمبر2004 تبنى المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية المشروع بالإجماع، والذي يقوم على أن تكون هناك لجنة قُطرية أو وطنية في كل بلد يترأسها المسؤول المحلي للمشروع (ترشحه حكومته، أو يعينه الأمين العام لجامعة الدول العربية)، وكل واحد من هؤلاء يمثل دولته في الهيئة العليا للمشروع، ويعد المسؤول عن متابعة المشروع في بلده، والتنسيق، والتخطيط في الهيئة العليا، وكل دولة تشكل خلايا الحيازة، والمتابعة، والبحث (كل خلية متكونة من 03 إلى 10 أفراد يشرف عليهم دكتور، ويضاف إليهم مشرف تقني برتبة مهندس حاسوبي)، هذه الخلايا تقوم بمهام حيازة الإرث الضخم من التراث اللغوي العربي وفق برنامج محدد لكل دولة من طرف الهيئة العليا للمشروع، وأن يكون مقر الهيئة العليا للمشروع بمقر المجمع الجزائري للغة العربية، وقد وافقت 18 دولة وقدمت مرشحيها إلى غاية 12 أفريل 2006، وفي27-28 جوان 2009، وتم تنظيم اجتماع بالجزائر ضم ممثلي جل الدول العربية، وهيئة جامعة الدول العربية من أجل تبنيها للمشروع بشكل رسمي نظرا لأهميته العلمية، والفكرية، والحضارية، وعين العلامة عبد الرحمن الحاج صالح رئيسا للمشروع. ============================ فرحم الله أستاذنا الدكتور: عبد الرحمان الحاج صالح وجزاه عنا وعن العربية كل خير. ============================ د. عادل بوديار: نقد معاصر، جامعة العربي التبسي { بتعديل بسيط مسَّ تحيين الموضوع} Naqil: Khaiyam Khalid: https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/

عرض الكل

منشورات المنتدى (927)

عرض الكل
bottom of page