top of page

الدراســــــة الصوتيـــــة عند العــرب

💢💢💢💢الدراســــــة الصوتيـــــة عند العــرب By khaiyam khalid


الدراسة الصوتية عند العــرب
الدراســــــة الصوتيـــــة عند العــرب


1 ـ البدايــــــــــــــــــــــات :‏


لقد أولى العلماء العرب الدراسة الصوتية اهتماما كبيرا لما يربط هذه الدراسة بتجويد القرآن الكريم ، فكان من نتائج هذه الدراسة ظهور علم التجويد الذي حافظ على النطق السليم لأصوات العربية، و عناية العرب بالصوتيات قديمة تعود إلى اليوم الذي بدأ فيه اللحن، فأصاب العربية في أصواتها كما أصابها في نحوها وصرفها ودلالاتها.


فالرواية التي تقول أن أعرابياً قرأ الآية القرآنية الكريمة (إن الله بريء من المشركين ورسوله ) بكسر لام رسوله بدلاً من ضمها، يفهم منها أن لحن الأعرابي كان لحناً صوتياً مس حركة اللام، وهي صوت، فنشأ عن هذا خطأ في الدلالة، وهو لحن كان حافزاً لأبي الأسود الدؤلي (67هـ) على أن يضع نقط الإعراب.


ثم إن قوله للكاتب، وهو يتلو عليه (إذا رأيتني قد فتحت فمي بحرف فأنقط نقطة على أعلاه، وإذا ضممت فمي، فأنقط نقطة بين يدي الحرف، وإذا كسرت فمي فاجعل النقطة تحت الحرف، فإن اتبعت شيئاً من ذلك غنة (تنويناً) فاجعل النقطة نقطتين) 1، إنما يدل على أن أبا الأسود لاحظ أثر الشفتين في نوعية الصوت الذي يسميه المحدثون بالصائت ، فحين سمى الحركات القصيرة فتحة وضمة وكسرة اعتمد على شكل الشفتين ووضعيهما عند النطق، وفي هذا إشارة إلى خاصة مهمة من خواص الحركات، ثم إن هذا الأساس في التنقيط عضوي فيزيولوجي يعتمده الدرس الصوتي الحديث.


فصنيع أبي الأسود إذن، إن كان يهدف إلى المحافظة على لغة القرآن، فهو صنيع متصل بالصوتيات أوثق الصلة، كما أن نقط الإعجام الذي قام به من الدوافع إليه المحافظة على أصوات العربية سليمة .‏


2 ـ جهود واتجاهات في الدرس الصوتي :‏


لعله من المفيد أن نذكر أن العرب لم يعالجوا الأصوات وحدها، إنما كانت معالجتهم لها مع قضايا لغوية أخرى، وكانت لها قيمة تاريخية وعلمية، وهذه المعالجة أخذت اتجاهات متعددة فهي عند أصحاب المعاجم والنحاة والبلاغيين والمعنيين بإعجاز القرآن، وعلماء التجويد والقراءات القرآنية .‏


1 ـ أحمد مختار عمر ، البحث اللغوي عند العرب ، ص 77 .


أما أصحاب المعاجم، فهم أقدم من تحدث عن الصوتيات من العرب، والناظر في معجم العين – وهو أول معجم في اللغة العربية، ينسب إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175) يرى أن معجمه هذا من أهم الدراسات الصوتية، وخاصة مقدمته التي تنم عن حس لغوي دقيق، حيث يقول محققا المعجم :


" في هذه المقدمة بواكير معلومات صوتية لم يدركها العلم فيما خلا العربية من اللغات إلا بعد قرون عدة من عصر الخليل.1"


فلقد أحسّ الخليل بكثير من جوانب المشكلة الصوتية، إذ تحدث عن مخارج الحروف وصفاتها من همس وجهر وشدة ورخاوة ونحوها، وعما يحدث للصوت في بنية الكلمة من تغيير يفضي إلى القلب أو الحذف أو الإعلال أو الإبدال أو الإدغام، وذكر عدداً من القوانين الصوتية، وعدداً من المسائل الصوتية واللهجية و القراءات .‏


ولعل أهم ما يستوقف النظر في صنيع الخليل ترتيبه معجمه على أساس صوتي، وهو صاحب الفكرة الرائدة في ترتيب الحروف حسب مخارجها، وقد رتبها على النحو التالي :‏


ع ح هـ خ غ – ق ك – ج ش ض – ص س ز – ط د ت – ظ ذ ث – ر ل ن – ف ب م – و ا ي ء .‏


ومن المعاجم التي تعرضت للجانب الصوتي بالدراسة الجمهرة لابن دريد الذي تعرّض على الأصوات التي تأتلف و التي لا تأتلف و أشار على تباعد الحروف و تقاربها و آثره على نطق الكلمة.


وأما النحاة فإنهم اعتنوا بالصوتيات بوصفها مدخلاً لدراسة الصرف من إدغام وإعلال وإبدال، ونحو ذلك، ولعل خير من يمثل النحاة في حديثهم عن الأصوات أصدق تمثيل سيبويه (ت 180 هـ)صاحب الكتاب المشهور الذي يعده كثيرون المصدر الأول لعلم الأصوات العربي، وقد يضعه بعضهم بعد كتاب العين في المرتبة، وفيه لخص سيبويه آراء أستاذه الخليل بدقة وأمانة في آخر الكتاب، وقد ورث عنه، فيما ورث وصفاً دقيقاً لأصوات العربية في مخارجها و صفاتها .‏


و قد عالج سيبويه في مؤلفه ((الكتاب)) الأصوات قبل معالجة الإدغام .

و عالج المبرد في كتابه ((المقتضب)) الإدغام في الجزء الأول وقدم له بدراسة للأصوات ومخارجها.

كذلك أنهى الزجاج كتابه ((الجمل)) بالحديث عن الإدغام، ومهّد لحديثه ببعض الأفكار الصوتية .

و أنهى الزمخشري كتابه ((المفصّل)) بالإدغام وقدّم بين يديه دراسة للأصوات .ومن المصادر الصرفية التي عالجت مباحث صوتية متعددة كالإعلال و الإبدال و القلب و الإدغام، وغيرها، الشافية لابن الحاجب ( ت 646هـ).


1 ـ الخليل بن أحمد، كتاب العين، تح د/ مهدي المخزومي، ود/ إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، ط 2إيران، 1409 ج1، ص 10.


أما أصحاب المصنفات الأدبية ممن تنبهوا للظواهر الصوتية الأديب والناقد المعروف الجاحظ (255 هـ)، إذ عرّف بعض الأمراض على ثلاثة مستويات اجتماعية هي مستويات الفصحاء والعوام والأعاجم، وعرف اختلاف اللهجات، ودرس التبدلات الصوتية للغة العربية عند الأعاجم، وهذا ما اللغوية، ونجد في كتابه (البيان والتبيين) خاصة معالجة علمية دقيقة للأصوات التي تدخلها اللثغة، وتحدث عن أوصاف هذا المرض ومراتبه الاجتماعية، واقترح بعض العلاجات الطبيعية على نحو ما يعالج في أمريكا اليوم، وقد أدرك الجاحظ صلة الأمراض اللغوية بالمجتمع، فدرس التلعثم تنبهت عليه الدراسات الحديثة. أما المؤلفون في إعجاز القرآن فقد اعتنوا بمخارج الحروف، وعرفوا صلة هذه المخارج بتلاؤم الحروف وتنافرها، ولعل من أشهر هؤلاء أبا الحسن الرماني (386 هـ) الذي رأى أن التلاؤم نقيض التنافر، وضرب أمثلة له، ثم تحدث عن فواصل القرآن، ورأى أنها على وجهين أحدهما على الحروف المتجانسة والآخر على الحروف المتقاربة، وضرب أمثلة لذلك .


وقد ضمّن أبو بكر الباقلاني (القرن الرابع) كتابه المشهور ((إعجاز القرآن)) كثيرا من المباحث الصوتية، بقصد تحليل آيات القرآن، وبيان أوجه إعجازها.


إلا أن الذين عنوا بالصوتيات عناية قد تفوق عناية غيرهم هم العارفون بتجويد القرآن الكريم وعلماء قراءاته، فأما الأولون، فلا يخلو كتاب لهم من كلام عن مخارج الحروف وطريقة نطقها، وقد اعتنوا بالإدغام عناية خاصة، وأفاضوا فيه، يدفعهم إلى ذلك كله حرصهم على إتقان ترتيل كتاب الله وتجويد نطقه، وعنايتهم بالأصوات أدت إلى ظهور مراتب التجويد ، وظهور مصطلحات صوتية مهمة في وقت مبكر كالإشمام والروم والاختلاس والإمالة والتخفيف والتفخيم .‏


وأما علماء القراءات، فقد أعانهم على العناية بالجانب الصوتي أن قراءات القرآن الكريم كانت متواترة بالتلقي الشفوي، ويطول بنا القول إذا تحدثنا عن الصوتيات عند من ألف في القراءات.


أما أول من أفرد المباحث الصوتية بمؤلف مستقل ونظر إليها على أنها علم قائم بذاته فهو ابن جني (ت392 هـ) في كتابه (( سر صناعة الإعراب )) الذي تناول فيه الموضوعات الصوتية الآتية:


ـ عدد حروف الهجاء و ترتيبها ووصف مخارجها.

ـ بيان الصفات العامة للأصوات وتقسيمها باعتبارات مختلفة.

ـ ما يعرض للصوت في بنية الكلمة من تغيير يؤدي إلى الاعلال أو الابدال أو الادغام أو النقل أو الحذف.

ـ تحدث عن صفات الأصوات، و عن الفصاحة في اللفظ المفرد.


وابن جني هو أول من استعمل مصطلحا لغويا للدلالة على هذا العلم وهو علم الأصوات، ويعتبر ابن جني رائدا في هذه الدراسة، من خلال قوله: " وما علمتُ أن أحدا من أصحابنا خاض في هذا الفن هذا الخوض، ولا أشبعه هذا الإشباع".(1)


كما لا ننسى عمل ابن سينا في كتابه (( الشفاء)) و في رسالته (( أسباب حدوث الحروف)) التي طُبعت بالقاهرة عام 1332 هـ بتحقيق محب الدين الخطيب.


و هي رسالة مقسّمة إلى ستة فصول بالإضافة إلى مقدمتها تناول فيها سبب حدوث الصوت ومخارج الأصوات ومحابسها، و عرض تشريح للحنجرة و اللسان، ووصف العملية العضوية لكيفية صدور كل حرف وصفا مفصلا، كما تحدث عن أصوات سمعها في لغات أخرى غير موجودة في العربية.(2)


3 ـ الأصالة و السبق :‏


رأينا فيما تقدم، أن للعرب قدماً ثابتة وباعاً طويلة في الدراسات الصوتية، ونذكر الآن أن لهم فضل السبق في الوصول إلى نتائج وحقائق علمية صوتية في غاية الدقة، ذلك أن من العلماء والمستشرقين الأجانب، بل من الباحثين العرب المحدثين من يقول أن الصوتيات العربية متأثرة ببحوث الأمم السابقة على العرب كالهنود واليونان، وعنهم نقلوها ولعل ما ساعد على هذا القول أمران اثنان هما إهمال المسلمين للدراسات الصوتية في عصر الدول المتتابعة، وكون المستشرقين أول من تحدثوا عنها في عصر النهضة.


وأما (بروكلمان) فقد رفض هذا الرأي القائل بتأثر العرب بالدراسات النحوية والصوتية للحضارات القديمة وعد علم الأصوات عند العرب ظاهرة قائمة بذاتها (3).


وممن تولى الرد كذلك على الآخذين بهذا الرأي الدكتور كمال بشر، وهو أحد العلماء المختصين، فقال:

(في رأينا أن دراسة العرب لأصوات لغتهم إنما هي دراسة أصيلة، ليست منقولة في منهجها أو طريق التفكير فيها عن غيرهم من الأمم، والقول بأنها ترجع إلى أعمال الهنود أو اليونان في دراساتهم الصوتية قول تعوزه الأدلة العلمية التي تستطيع أن تؤكد هذا الزعم أو تنفيه، على أن النظر الدقيق في جملة ما طلع علينا به علماء العربية في مجال الأصوات اللغوية يحملنا على الجزم بأن هؤلاء العلماء كانوا يصدرون عن عقليتهم الخاصة وثقافتهم العربية).


1 ـ مقدمة كتاب سر صناعة الإعراب لابن جني ص 3.

2 ـ يُنظر البحث اللغوي عند العرب، أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط 8، 2003، ص، 98، 99، 100، 101، 102

3 ـ أحمد حساني، مباحث في اللسانيات، ص 65.


ثم أتى بدليل على صدق قوله يتصل بمنهجهم في الدراسة الصوتية، فرأى أن هذه الدراسة تقوم على أساس نطقي، كما عند الغربيين، يعنى بالخواص النطقية للأصوات ووظائف جهاز النطق وحركات أعضائه عند إخراج الأصوات، وهذا مخالف لما سلكه اليونان، إذ اعتمد هؤلاء أولاً على الخواص السمعية للأصوات، وإذا كان منهج العرب يشابه منهج الهنود عامة، فإن فيه اختلافات كثيرة في التفصيلات، وهو منهج وصفي يعنى بدراسة الظاهرة اللغوية في معزل عن تطوراتها التاريخية، ويخلو من الافتراضات العقلية والمتاهات الفلسفية، ويقوم على أساس من أهم أسس البحث الصوتي اليوم وهو الملاحظة الذاتية .‏


ورأى الدكتور بشر أيضاً أن فيما قام به العرب سبقاً تاريخياً وعلمياً، وإذا كان الهنود قد سبقوهم تاريخياً في الدرس الصوتي، فإن هذا لا ينفي أن يكون العرب رواداً فيه، فأبجديتهم، - كما يقول- فيها مبادئ صوتية رائعة، ويتحقق فيها أحدث الآراء في الدرس الصوتي إذ أن فيها رمزاً واحداً لكل واحدة صوتية.ويقرر فيرث :


" إن علم الأصوات شب و نما في أحضان لغتين مقدستين هما العربية و السنسكريتية "


، و يعلن برجستراسر سبق العرب للغربيين في الدراسة الصوتية قائلا: " لم يسبق الغربيين في هذا العلم إلا قومان من أقوام الشرق و هما أهل الهند – يعني البراهمة – و العرب" 1


1 ـ ينظر مقال للد/ أحمد عزوز، مصادر التراث الصوتي عند العرب، مجلة التراث العربي، ع 71، 72، 1998.


4 ـ جهود المحدثين العرب:


ـ إبراهيم أنيس: لعب هذا الباحث دورا بارزا في الدراسات اللغوية الحديثة متأثرا بالمفاهيم اللسانية الأوربية الوصفية و التاريخية، وقد درس اللهجات دراسة مستفيضة ، كما درس المستوى الصوتي للغة في كتابيه (دلالة الألفاظ في اللهجات العربية)و (الأصوات اللغوية)، و يعد هذا الأخير من أهم الكتب التي ألفت في علم الأصوات ومن أوائلها.


ـ محمود السعران: له مؤلف هام هو ( علم اللغة مقدمة للقارئ العربي) (1962)، وكان من أوائل من استعمل مصطلح بنيوية في الفكر اللساني العربي الحديث.


ـ تمام حسان: تبنى وجهة النظر الوصفية لنقد التراث النحوي العربي في كتابه ( اللغة بين المعيارية والوصفية) الذي طبع أول مرة سنة 1958، وكان قد سبق هذا الكتاب مؤلف آخر (مناهج البحث في اللغة) صدر سنة 1955، عرض فيه إلى دراسة البنية اللسانية للغة العربية وفق المنهج البنيوي الغربي، أما كتابه القيّم ( اللغة العربية معناها و مبناها) فقد خصصه لوصف اللغة العربية بالاعتماد على مقولات المنهج البنيوي الحديث، وقد حاول إعادة قراءة التراث النحوي على ضوء النظرية السياقية الفيرثية.


ـ كمال بشر: له في الدراسات اللغوية مؤلف (دراسات في علم اللغة) صدر سنة 1969 خصصه للبحث في التفكير اللغوي عند العرب، وركّز خلال دراسته على ابن جني و السكاكي، كما له مؤلف هام في الصوتيات ( علم الأصوات) صار من أهم المتون التي يعتمد عليها طلاب الجامعات، وقد طبع أكثر من ستة عشر مرة 1.


من المؤلفات الصوتية التي لم تصل إلينا

كتابا : النغم ، الإيقاع للخليل الفراهيدي . ينظر: بغية الوعاة:1/560


رسالة في مد الأصوات و مقادير الحروف: ابن جني . معجم الأدباء 2/113.


1 ـ يُنظر محاضرات في المدارس اللسانية المعاصرة، بوقرة نعمان، منشورات جامعة باجي مختار، عنابة، 2006،ص 41، إلى 47.


Comments


bottom of page