محاظرة في النحو الوظيفي من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة (في نظر براغ و مارتيني).
النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية.
هذه المقالة مشتملة علي جزئين:
ترتيب:
ترتيب من الجزء الثاني:
الجزء الأول من النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة من اللغة العربية
إن الحديث عن النحو الوظيفي و مفهومه و مبادئه و التعمق في جزئياته يفرض علينا استعراضا و لو سطحيا لمسار الوظيفة في الدرس اللساني الحديث.
ذلك لأن النظريات اللسانية الحديثة لم تأت من عدم، و لم تظهر فجأة و إنما جاءت نتيجة تراكمات معرفية سابقة، فالمتتبع لمسار الدرس اللساني الحديث سيلاحظ أن كل نظرية جديدة تقوم على سابقتها بشكل من الأشكال، حيث لا نجد قطيعة قطعية بين النظريات اللسانية الحديثة التي كان منطلقها فرديناند دي سوسير.
إن الاتجاه الوظيفي في الدرس اللساني يحوي كل النظريات التي تنظر إلى اللغة من جانبها الوظيفي التداولي، وهو اتجاه ينتمي إلى التيار البنوي الذي تأسس نتيجة النقد الذي قدمه "دي سوسور" للمنهج التاريخي وقد أطلق على رواد هذا الاتجاه اسم الوظيفيون"، بحكم أنهم ينطلقون في دراستهم للغة من مبدأ البحث عن الوظائف والأدوار التي يمكن أن تؤديها عناصر اللغة البشرية. والتحليل الوظيفي للغة ليس حكرا على البنوية، فهو يخترق الحدود المنهجية لجميع الدراسات اللسانية الحديثة، فمفهوم الوظيفية مفهوم مائع ينطلق منه اللسانيون من مختلف مذاهب علم اللسان بما في ذلك البنوية و التوليدية التحويلية والتداولية لأغراض و توجيهات منهجية مختلفة.
1- حلقة براغ:Le cercle de brague
تعد مدرسة براغ من أهم المدارس اللسانية التي نشأت في ظل المنهج البنوي، و يرجع ظهورها إلى مطلع القرن العشرين بالتحديد إلى سنة 1926 بتشيكوسلوفاكيا على يد مجموعة من اللسانيين أشهرهم:
ماتيزيوس Mathesius، تروبتزكوي ،Trubetzkoy جاكوبسن Jackobson، كارسوفسكي Karcevskij، وترونكا Trenka، وهافرانك Havrank، وقد تأثرو جميعا بالمفاهيم اللسانية المتصلة بالفونيم والتي اعتبرت فيما بعد قاعدة أساسية قامت عليها المبادئ الفونولوجية لهذه المدرسة، ميز رواد هذه المدرسة بين الفونتيك و الفونولوجيا.
مبادئ مدرسة براغ:
كان منطلق هذه المدرسة من تحديد اللغة باعتبارها نظاما وظيفيا، و قد ركزت على دراسة الوظيفة الأساسية للغة و المتمثلة في التواصل (فكيف يتم؟ لمن يوجه، و في أي مناسبة) و من مبادئ هذه المدرسة نذكر:
اللغة واقعة اجتماعية أي ظاهرة طبيعية ذات واقع مادي، فهي تتصل بعوامل خارجية منها ما يتصل بالسامع و منها ما يتصل بالموضوع الذي يدور حوله الكلام، و عليه من الضروري التمييز بين لغة الثقافة و لغة الأدب و لغة الشارع.
ضرورة دراسة العلاقة بين البنية اللغوية و المظاهر العقلية و النفسية الإنسانية التي توصلها هذه البنية.
الاقرار بالاختلاف الموجود بين اللغة المنطوقة و اللغة المكتوبةن فلكل واحدة منها خصائصها المميز، و عليه من الضروري دراسة العلاقة الرابطة بينهما دراسة علمية.
استثمار مفاهيم سوسير في الدراسة الوظيفية للصوت اللغوي، نحو التقابل النظام العلاقات التركيبية و الاستبدالية، ثنائية اللغة و الكلام...الخ
على البحث الفونولوجي أن يتجه أولا إلى دراسة التقابلات الفونيمية لأنها ذات دلالة ومعنى على المستوى المورفولوجي، وعليه لا يجب فصل الظاهرة المورفولوجية عن الظاهرة الفونولوجية، فعادة ما ترتبط التقابلات الفونيمية بالتغيرات الصرفية.
الصوتيات الوظيفية:
لقد تميزت مدرسة براغ بالدراسة الصوتية ، أطلقوا على منهجهم في دراسة الأصوات اسم " الصوتيات الوظيفية و يعني هذا الفرع من الدراسة اللسانية بدراسة " المعنى الوظيفي للنمط الصوتي، ضمن نظام اللغة الشامل و استخراج كل الفونيمات و ضبط خصائصها، وينبغي هنا أن لا يخلط الدارسون بين الصوتيات ( Phonetics) والصوتيات الوظيفية Phonology" .
ركزت مدرسة براغ على دراسة الصوت دراسة وظيفية وهذا ما يميزها عن الدراسات الصوتية السابقة و فيما يلي الفرق بين الفونتيك والفونولوجيا:
الفونيتيك تعرف الصوت تعريفا عامًا باعتباره أصغر وحدة غير دالة تحمل صيفات تمييزية فيزيائية أو فيزيولوجية و تنقسم إلى ثلاث فروع أساسية هي:
الصوتيات النطقية (articulatory-phonetics) وتعني بوصف الجهاز الصوتي ومخارج الاصوات أي بالمتكلم
و الصوتيات السمعية (auditory-phonetics) وتعني بعملية تلقي الأصوات وإدراكها أي بالمستمع
والصوتيات الفزيائية (acoustic phonetics)
تدرس الجانب الفيزيائي الصرف المتمثل في انتشار الموجات الصوتية من فم المتكلم إلى أذن المستمع عبر ذبذبات صوتية معينة" ، بينما الفونولوجيا تربط تعريف الصوت بالوظيفة و بالدور الذي يؤديه العنصر في مدرج الكلام، فالفونيمات لا تحلل في الدراسات اللسانية الوظيفية انطلاقا من خصائصها الفيزيائية أو الفيزيولوجية فقط، إذ لايجب التوقف عند وصف الأصوات بالقول مثلا عن الأصوات /خ/ر/ج/: الخاء مجهور- رخو يندفع الهواء عند النطق به مارًا بالحنجرة، ولا يحرك الوترين الصوتيين
أما الراء: فمرقق و مفخم مجهور، و يتميز بتكرار طرق اللسان للحنك عند النطق بها، و الجيم مجهور قليل الشدة.
يندرج هذا النوع من المعالجة ضمن التحليل الفيزيائي للاصوات و هو يندرج ضمن الفونيتيك (علم الأصوات العام) الذي يقابله الفونولوجيا أي الصوتيات الوظيفية التي تهتم بدراسة وظائف الأصوات فيتم ضمنها تحليل الأصوات و هي دخل البنية اللغوية التي تنتمي إليها و بفضل هذا العلم أصبح من السهل التعرف على الفونيمات المختلفة التي ظلت لفترة طويلة متماثلة و ذلك من خلال مبدأ الاستبدال Commutation نحو خرج لا تتضح وظيفة الخاء داخل هذا التركيب إلا باللجوء إلى الاستبدال أي استبدال الخاء بأصوات أخرى خَرَجَ _ عرج – فرج – درج إن استبدال صوت الخاء بأصوات أخرى يؤدي إلى اختلاف دلالة الكلمة بالتالي فإن العلاقة بين خ، ع، ف، د هي علاقة تضاد فونولوجي و في كلمة Bonjour (غ-r) و Bonjour
(ر-r) تقول أن العلاقة بين (ر-r) هي علاقة توافق فونولوجي لان عملية التبديل هنا لا تغير معنى الكلمة.
ان الصوتيات الوظيفية في مدرسة براغ لا تختصر على النقاط التي قدمناها في هذه الصفحات وللاستفادة أكثر والاطلاع على أعمال روادها راجع كتاب أحمد مومن "اللسانيات النشأة و التطور".
الجزء الثاني: النظريات الوظيفية في اللسانيات الحديثة
اسهامات اندري مارتيني:
بالاضافة إلى مدرسة براغ التي اهتمت بوظيفة الأصوات نذكر اسهامات أندري مارتيني André Martinet ممثل البنوية الوظيفية في فرنسا.
وظيفة اللغة عند مارتيني:
إن الوظيفة الاساسية للغة هي التواصل ولها وظائف ثانوية تؤديها كالوظفة الجمالية في النصوص الأدبية.
ينطلق مارتيني من اعتقاد مفاده أن اللغات ليس مجرد نسخ للأشياء كما هي في الواقع و إنما هي بنى منظمه تحلل الواقع وعليه فإن تعلم لغة جديدة ليس مجرد وضع علامات جديدة لأشياء معلومة في اللغة الأم، بل هو اكتساب لنمط جديد من التحليل هذا النمط هو الذي يميز اللغة الأم عن اللغة الأجنبية.
بعض مبادئ التحليل الوظيفي عند "مارتيني":
1- التقطيع المزدوجDouble articulation :
و هو تقطيع يمكننا من تحليل اللغة إلى وحدات نهائية ويتم هذا التقطيع على مستويين:
المستوى الأول: يتم فيه تجزئة اللغة إلى وحدات لغوية دالة تسمى هذه الوحدات بالمونيمات (الكلمات) كقولنا:
أشكو ألما في الرأس.
أشكو/ ألما/ في/ ال/ رأس (مونيمات)
المستوى الثاني: يتم فيه تقطيع المونيمات إلى وحدات غير دالة هي الفونيمات:
أ/ش/ك/و/أ/ل/م/ا/ف/ي/ا/ل/ر/أ/س/.
2-مبدأ الاقتصاد اللغوي:
قصد به مارتيني قدرة الإنسان على التعبير عن تجارب وحاجات لا حصر لها بأقل جهد ذهني، و الذي يساعد عل تحقيق هذا المبدأ التقطيع المزدوج الذي يجعل الوظيفة التواصلية تتم بعدد محدود من الفونيمات، في العربية مثلا نعبر عن تجاربنا دائما بعدد ثابت من الأصوات هي الأبجدية العربية، لأنه لا يمكننا أن نعطي لكل وحدة دالة صغرى إنتاجا صوتيا خاصا بها فذلك يلزمنا التمييز بين الآلاف منها نطقيا و سمعيا وهو شيء يفوق القدرة الإنسانية.
و يتحقق هذا المبدأ من خلال المقابلة أو التقليب بين الفونيمات.
1- أنواع المونيمات عند مارتيني:
المونيمات حسب مارتيني تختلف بعضها عن بعض من ناحية وظائفها في السياق وقد قسمها إلى ثلاث أنواع:
أ- المونيم الحر:
هي مونيمات تحمل دلالتها في ذاتها فهي حرة لا تتقيد بموقع معين إذ بإمكانها أن تأتي في بداية الجملة أو في وسطها أو في نهايتها، ولا يغير موقعها في الجملة من المعنى العام المراد من تلك الجملة. ومن أمثلة ذلك ظروف الزمان
ب-المونيم المقيد:
هو مونيم لا يحمل دلالة و لا يِؤدي دورا في التركيب إلا إذا كان في موضع خاص وأي تغيير في موقعه يؤدي إلى إختلال المعنى العام و من أمثلة ذلك المضاف إليه في اللغة العربية.
ج- المونيم المساعد:
سمي مساعد لأنه لا يحمل دلالة في نفسه لكنه يلعب دورا مهما في أداء المونيمات الأخرى لوظائفها و نذكر منها في اللغة العربية: حروف الجر- حروف العطف- أدوات النصب و الجزم بالإضافة إلى تمييز أندري مارتيني بين أنواع المونيمات نجده يميز أيضا بين أنواع المركبات.
-أنواع المركبات عند مارتيني:
أ- التركيب الحر:
هو أساس التركيب الكلامي يعبر عن المعنى الأساسي ونجده في الجملة الإسمية مبتدأ وخبر وفي الجملة الفعلية فعل و فاعل قد يمتد إلى المفعول به أحيانا
ب-التركيب المكتفي:
وهو تركيب يتكون من وحدتين أو مونيمين فأكثر تجمعهما علاقة وثيقة، وتتحدد وظيفته من خلال دلالته الكلية في سياق التركيب و ليس بموقعه مثل الجار و المجرور.
وقد تحدث "مارتيني" عن الإلحاق الذي يقصد به كل وحدة تضاف إلى المركب الحر. وقسمه قسمان الإلحاق بالعطف و الإلحاق بالتعلق.
2-التوليدية التحويلية:
جاءت التوليدية التحويلية بعد أن بلغت البنوية ذروتها في نهاية الخمسينات، وقد ارتبطت بزعيمها نوام تشومسكي الذي تميزت أبحاثه بمنهجها العقلي والعلمي الرياضي الدقيق، وقد ركز في أعماله على ما يعرف بالقدرة اللغوية عند الفرد المثالي و هي قدرة تمكن هذا الأخير من إنتاج و فهم عدد لا متناهي من الجمل، و عليه يكون النحو التوليدي عبارة عن نظام من القواعد التي تتكرر لتوليد عدد غير متناه من البنيات .
وهي قواعد تقوم على ثلاث مستويات أساسية هي المكون التركيبي والفونولوجي والدلالي وهي أساس النحو التوليدي.
لقد نشأ بين الاتجاه التوليدي التحويلي والاتجاه الوظيفي صراعا كبيرا لكونهما يختلفان من حيث مبدئهما العام "يقوم النموذج التوليدي التحويلي على مبدأ استقلالية التركيب، ليس عن الوظيفة فحسب، بل عن أي دلالة أو تداول، وعليه يكون التفسير غير النحوي كالظروف و الملابسات الخارجية و مواقف الكلام و غيرها. قليل الأهمية لأن الظاهرة اللغوية تنضبط من حيث المبدأ بشروط نحوية خالصة قابلة لتشكيل على نحو محكم، و يتجسد بدقة في القواعد التحويلية في حين يرى الاتجاه الوظيفي أن الظواهر اللغوية على خلاف مستوياتها تحكمه في الحقيقة من حيث المبدأ عوامل غير لغوية، أي أن جل الظواهر اللغوية ليست إلا انعكاسا للوظيفة التبليغية"
وقد تم انتقاد تشومسكي على هذا الأساس مما دفعه هذا الأخير إلى الاعتراف بأن قدرة المتكلم و السامع في الحقيقة قدرتان: قدرة نحوية و قدرة تداولية، و بدخول العامل التداولي إلى التوليدية التحويلية أصبحت نظريات النحوية الوظيفية تميز بين نوعين من النظريات نوع يدخل داخل الإطار التوليدي التحويلي و آخر ينشط خارجها
ناقل: خيام خالد: https://www.instagram.com/khalidkhaiyam/